| د. فيحان العتيبي |
تعتبر حرب أكتوبر 1973 نقطة فاصلة فى تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، علينا أن نتوقف عندها لنتعلم منها بعض الدروس ولما لها من أهمية قصوى**، فهي تمثل تحدياً للعرب، ولهذا جاءت الاستجابة عندما اتفق القادة العرب على اتخاذ القرار الحاسم لاعادة ما سلب من الأمة العربية ورد اعتبارها باستخدام كافة الوسائل المشروعة بما فيها الحرب لاسترداد الأرض المحتلة واستخدام إمكاناتهم الهائلة سياسياً واقتصادياً. وقد تميزت حرب أكتوبر عن غيرها من تجارب الصراع العربي الإسرائيلي باستخدام النفط العربي سلاحاً فعالاً أسهم مع أدوات الحرب الأخرى في تحقيق جانب مهم من الأهداف العربية، كما أثبتت فشل نظرية احتكار إسرائيل التفوق العسكري على العرب، وكذلك استحالة إجبار شعوب المنطقة العربية علي قبول الاحتلال، كما بينت أيضاً أن الأمن الحقيقي لا يضمنه التوسع الجغرافي على حساب الآخرين؛ لذلك كان من أبرز نتائج تلك الحرب رفع شعار المفاوضات نحو السلام، وليس السلاح لحل الصراع.
ولقد دخل النفط في الصراع العربي الإسرائيلي، ولأول مرة فى حرب أكتوبر 1973، واصبح جزءاً من أدوات الضغط على الدول المساندة لإسرائيل لاتخاذ ما يمكن اتخاذه من وسائل وإجراءات للضغط على الحكومة الإسرائيلية للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967، وأيضا لإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية.
وعقدت الدول العربية المنتجة للنفط مؤتمر وزراء النفط العرب في الكويت يوم 17أكتوبر1973 لبحث استخدام البترول في المعركة وأصدر الوزراء قرارهم بخفض الإنتاج بنسبة 5 في المئة كل شهر، على أن يستمر التخفيض حتى تفرض الهيئات والمنظمات الدولية قراراتها على اسرائيل بالانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، واعلنت بعض الدول العربية النفطية قطع البترول نهائياً عن بعض الدول التي تساند إسرائيل، وقطعت الإذاعات العالمية إرسالها لتعلن هذا النبأ، وقد كان هذا القرار بداية حقيقية لاستخدام سلاح النفط.
لقد كانت تلك التجربة ثمر من ثمار مطالبة عربية امتدت على مدار عقود من التاريخ العربي المعاصر، إذ حذر العرب الغرب منذ بدء الصراع العربي-الإسرائيلي باستخدام النفط سلاحاً في معركتهم الى أن جاءت تلك الخطوة في تلك الحرب.
وأصيب العالم الغربى بالصدمة حين وقف الناس في طوابير أمام محطات الوقود، وقررت حكومات سويسرا وألمانيا والدانمارك وغيرهم فى أوروبا حظر قيادة السيارات يوم الأحد، وفي هولندا حثت السلطات على استخدام الدراجات الهوائية. وكان الأمر صعباً على اليابان التي تعرضت لضغوط عربية نفطية من أجل قطع علاقاتها مع إسرائيل.
وفى الواقع فالدول الصناعية فوجئت بالموقف العربي بإدخال النفط كسلاح استراتيجى فى تلك الحرب، إذ أن العرب قد أدرجوا ذلك التهديد باستخدام النفط لدعم مواقفهم السياسية منذ سنوات طويلة، لكنهم لم يفعلوا ذلك- وصار الأمر جديًّا فى حرب 1973، فلم يعد أمام الدول الصناعية، ولا سيما الولايات المتحدة وأوروبا سوى مواجهة الواقع، باعتماد خطط وإستراتيجيات بديلة من خلال البحث عن مصادر أخرى للطاقة البديلة، وبدأت التوجهات البحثية في هذا المجال تنتعش وتتطور في أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي، كما سعت هذه الدول الى اتباع سياسات من شأنها ايقاف الدول العربية عن استخدام النفط مرة اخرى كسلاح استراتيجى.
وكانت نتيجة إدخال النفط العربي في الميدان السياسي، أن العرب في الفترة التي أعقبت حرب أكتوبر 1973 شهدوا عصراً ذهبيًّا، إذ تحولت عواصمهم محطات في طريق الرؤساء والزعماء ورجال السياسة والديبلوماسيين من مختلف الدول، وصارت مطالبهم وقضاياهم محط اهتمام ووعود، بل وتنفيذ في بعض الأحيان، وقد أدى قرار حظر تصدير الدول العربية النفط للغرب للفوضى والاضطراب في الاقتصاد العالمي، حيث رفع سعر النفط إلى 70 في المئة ثم 100 في المئة وتواصلت الارتفاعات، لتسهم في تصحيح أسعار النفط لأول مرة في تاريخه.
ولم يكن ذلك، هو التطور الإيجابي الوحيد في ثمار استخدام النفط العربي في السياسة، فقد كان من جملة النتائج الإيجابية تزايد هائل في عائدات النفط العربي بفعل ازدياد الطلب العالمي على النفط، ؛ مما أدى إلى زيادة الإنتاج، وبالتالي ازدياد العائدات.
* استاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الكويت
تعتبر حرب أكتوبر 1973 نقطة فاصلة فى تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، علينا أن نتوقف عندها لنتعلم منها بعض الدروس ولما لها من أهمية قصوى**، فهي تمثل تحدياً للعرب، ولهذا جاءت الاستجابة عندما اتفق القادة العرب على اتخاذ القرار الحاسم لاعادة ما سلب من الأمة العربية ورد اعتبارها باستخدام كافة الوسائل المشروعة بما فيها الحرب لاسترداد الأرض المحتلة واستخدام إمكاناتهم الهائلة سياسياً واقتصادياً. وقد تميزت حرب أكتوبر عن غيرها من تجارب الصراع العربي الإسرائيلي باستخدام النفط العربي سلاحاً فعالاً أسهم مع أدوات الحرب الأخرى في تحقيق جانب مهم من الأهداف العربية، كما أثبتت فشل نظرية احتكار إسرائيل التفوق العسكري على العرب، وكذلك استحالة إجبار شعوب المنطقة العربية علي قبول الاحتلال، كما بينت أيضاً أن الأمن الحقيقي لا يضمنه التوسع الجغرافي على حساب الآخرين؛ لذلك كان من أبرز نتائج تلك الحرب رفع شعار المفاوضات نحو السلام، وليس السلاح لحل الصراع.
ولقد دخل النفط في الصراع العربي الإسرائيلي، ولأول مرة فى حرب أكتوبر 1973، واصبح جزءاً من أدوات الضغط على الدول المساندة لإسرائيل لاتخاذ ما يمكن اتخاذه من وسائل وإجراءات للضغط على الحكومة الإسرائيلية للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967، وأيضا لإيجاد حل للمشكلة الفلسطينية.
وعقدت الدول العربية المنتجة للنفط مؤتمر وزراء النفط العرب في الكويت يوم 17أكتوبر1973 لبحث استخدام البترول في المعركة وأصدر الوزراء قرارهم بخفض الإنتاج بنسبة 5 في المئة كل شهر، على أن يستمر التخفيض حتى تفرض الهيئات والمنظمات الدولية قراراتها على اسرائيل بالانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، واعلنت بعض الدول العربية النفطية قطع البترول نهائياً عن بعض الدول التي تساند إسرائيل، وقطعت الإذاعات العالمية إرسالها لتعلن هذا النبأ، وقد كان هذا القرار بداية حقيقية لاستخدام سلاح النفط.
لقد كانت تلك التجربة ثمر من ثمار مطالبة عربية امتدت على مدار عقود من التاريخ العربي المعاصر، إذ حذر العرب الغرب منذ بدء الصراع العربي-الإسرائيلي باستخدام النفط سلاحاً في معركتهم الى أن جاءت تلك الخطوة في تلك الحرب.
وأصيب العالم الغربى بالصدمة حين وقف الناس في طوابير أمام محطات الوقود، وقررت حكومات سويسرا وألمانيا والدانمارك وغيرهم فى أوروبا حظر قيادة السيارات يوم الأحد، وفي هولندا حثت السلطات على استخدام الدراجات الهوائية. وكان الأمر صعباً على اليابان التي تعرضت لضغوط عربية نفطية من أجل قطع علاقاتها مع إسرائيل.
وفى الواقع فالدول الصناعية فوجئت بالموقف العربي بإدخال النفط كسلاح استراتيجى فى تلك الحرب، إذ أن العرب قد أدرجوا ذلك التهديد باستخدام النفط لدعم مواقفهم السياسية منذ سنوات طويلة، لكنهم لم يفعلوا ذلك- وصار الأمر جديًّا فى حرب 1973، فلم يعد أمام الدول الصناعية، ولا سيما الولايات المتحدة وأوروبا سوى مواجهة الواقع، باعتماد خطط وإستراتيجيات بديلة من خلال البحث عن مصادر أخرى للطاقة البديلة، وبدأت التوجهات البحثية في هذا المجال تنتعش وتتطور في أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي، كما سعت هذه الدول الى اتباع سياسات من شأنها ايقاف الدول العربية عن استخدام النفط مرة اخرى كسلاح استراتيجى.
وكانت نتيجة إدخال النفط العربي في الميدان السياسي، أن العرب في الفترة التي أعقبت حرب أكتوبر 1973 شهدوا عصراً ذهبيًّا، إذ تحولت عواصمهم محطات في طريق الرؤساء والزعماء ورجال السياسة والديبلوماسيين من مختلف الدول، وصارت مطالبهم وقضاياهم محط اهتمام ووعود، بل وتنفيذ في بعض الأحيان، وقد أدى قرار حظر تصدير الدول العربية النفط للغرب للفوضى والاضطراب في الاقتصاد العالمي، حيث رفع سعر النفط إلى 70 في المئة ثم 100 في المئة وتواصلت الارتفاعات، لتسهم في تصحيح أسعار النفط لأول مرة في تاريخه.
ولم يكن ذلك، هو التطور الإيجابي الوحيد في ثمار استخدام النفط العربي في السياسة، فقد كان من جملة النتائج الإيجابية تزايد هائل في عائدات النفط العربي بفعل ازدياد الطلب العالمي على النفط، ؛ مما أدى إلى زيادة الإنتاج، وبالتالي ازدياد العائدات.
* استاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الكويت