| علي الرز |
«طال المطال طال وطوّل» قبل ان تنفجر عبقرية سيرغي لافروف فيكشف ما كان يخبئه منذ زمن بعيد. باح بالسر الذي طالما «تكتك» فيه مع الدول الكبرى واعتبره «ورقة كبرى»... يقول، لا فضّ فوه، ان ما يحصل الآن في سورية هدفه ايصال السنّة الى الحكم وان دولاً في المنطقة تشجّع على ذلك.
يا سلام... السنّة الذين يشكلون الغالبية المطلقة في سورية يحتاجون الى مؤامرة كونية كي يحكموا بلادهم. ومَن يكشف السر؟ وزير خارجية روسيا التي تنتخب رئيساً كل فترة توصله الغالبية الى الكرملين. او الوزير الذي كانت بلاده الى فترة قريبة زعيمة الماركسية في العالم حيث تستبدّ الطائفة الشيوعية بكل الطوائف والمعتقدات والمذاهب الاخرى، بدءاً من فرض مدارس الإلحاد على الاطفال وانتهاءً بالمصائر الصعبة التي تواجه «خونة البروليتاريا».
مضحكة مبكية تصريحات لافروف. لم يرَ في كل المجازر التي يرتكبها نظام الاسد الا درءاً لوصول السنّة الى الحكم. لم يشاهد الأطفال يُنحرون لمجرد انهم هتفوا «حرية حرية»، او ربما رأى النحر وسيلةً مثلى «لحماية الاقليات». لم يتوقف عند هدم المنازل على رؤوس مَن فيها، او ربما رأى في ذلك قصفاً «للنظام الديني» المقبل. لم يتحدث عن عمليات التعذيب المخيفة لعشرات آلاف المعتقلين، او ربما رأى فيها تصحيحاً لانحرافٍ فكري عن جادة العلمانية.
وقبل هذا وذاك، كيف يسمح مَن «فقع مرارتنا» على امتداد عام بضرورة عدم تدخل الآخرين في سورية بالتدخل بهذا الشكل التقسيمي الاستفزازي السافر؟ ما علاقته هو اذا حكمت الغالبية ام لا؟ كيف يرضى بحكم الغالبية في العراق ويرفضها في سورية؟ ثم مَن أفهمه ان النظام الحالي في سورية هو نظام علماني يحمي الاقليات أو يرفع من شأنها او ان النظام المقبل سيكون نظاماً دينياً متزمتاً؟ وهل انضمّ الوزراء الروس الى جوقة رجال الدين المتطرّفين شيعة وسنّة الذين لا همّ لهم سوى التعبئة الطائفية وحصْر كل مشاكل العرب والمسلمين بالخلافات المذهبية ثم الظهور في وسائل الاعلام للهجوم على الغرب «الذي يبثّ سموم الفرقة»؟
السنّة في سورية هم سورية، والاقليات الاخرى في سورية هي سورية، ولم يأخذ أحد الاوضاع الى المنحى الطائفي سوى النظام الحاكم الذي يهمّه البقاء ولو على أنقاض السنّة والشيعة والدروز والعلويين والمسيحيين وغيرهم. ولم تذهب المنطقة برمّتها الى الخطاب الطائفي سوى مع تمدُّد الهلال الممانع من طهران الى غزة ورغبة الحرس الثوري الايراني في موطئ قدم على المتوسط عبر حلفائه. القصة سياسية بعباءة طائفية حتى لو لم يستطع لافروف ان يستفيق من القصة نفسها والعباءة نفسها التي أعادت جيشه السابق من افغانستان الى موسكو وخلقت وضعاً أخرج لاحقاً المارينز من اميركا الى افغانستان.
لم تكن «الفودكا» وحدها ما فرض على لافروف هذا التصريح. النظام في سورية يبيع كل شيء من اجل الاستمرار لان البلد مزرعته و«يا مال الشام يلا يا مالي»، واذا لم تأتِ «الحلوة الروسية» اليوم فلن تأتي لاحقاً مهما «طال المطال»، و«الدبّ» يتاجر ويلاحق مصالحه من دون اي اهتمام بصورته المنافقة... النافقة، فهو بقي مع صدام حسين عندما باع العلمانية بعلمٍ وضع في منتصفه عبارة «الله اكبر» ودعم «بعثيته» و«سنّيته» و«اصوليته» قبل ان يدعم لاحقاً «شيعية» الغالبية في العراق، وهو مع «يهودية» الدولة الاسرائيلية ومع «إسلامية» الجمهورية الايرانية، لكنه ضد حكم الغالبية في سورية.
اما اذا كانت «الفودكا» ادت الى اختلاط الامر على لافروف فحذّر من السنّة كطائفة بدل ان يحذّر من الارهابيين الاصوليين كمجموعات عابرة للطوائف، فلابد ان يتذكر ان مخازن النظام السوري ما زالت مليئة بهؤلاء وان «الحليف» نوري المالكي هو مَن طلب قبل عامين من مجلس الأمن فرض عقوبات على نظام الاسد تحت البند السابع تحديداً بعد توصل العراق الى ادلة دامغة عن تورطه في تدريب وتحضير إرهابيي «القاعدة» وإرسالهم لتنفيذ عمليات في بغداد وغيرها من المدن.
تذكّر يا لافروف، ان الوضع في سورية مهما طال المطال «سيتغير ويتحول». فقط تذكّر... الا اذا كانت الفودكا مغشوشة... تماماً كما التقارير التي تصلك من سفيرك في دمشق.


alirooz@hotmail.com