| علي الرز |
يعرف قادة «حزب الله» في لبنان تماماً ان النظام السوري الحالي هو الذي انتهى وليس الثورة السورية التي كلما عاد مسؤول لبناني من دمشق بشّر بأنها «انتهت». يعرف الحزب ذلك، فهو موجود على الارض، والمنظومة الأمنية الاقليمية التي ينتمي اليها تملك الكثير من المعطيات والوقائع وتقف اكثر من غيرها على اتجاهات الريح.
ومع ذلك ينحو «حزب الله» طبيعياً منحى الدفاع المستميت عن هذا النظام لاعتبارات كثيرة أعلنها مراراً وأصبحت مثل المقررات الدراسية: سورية ممرّ ومقرّ لحركة المقاومين اللبنانيين من سلاح وعتاد وخبرات وتدريب. سورية دفعت وتدفع ثمناً باهظاً نتيجة التزامها خط الممانعة. سورية وقفت مع الحزب في أحلك الظروف... وسورية بطبيعة الحال حليف ايران الاستراتيجي وحلقة الربط الكبرى في الهلال الممتدّ من طهران الى غزة.
من هنا يبدو طبيعياً ايضاً ان تتشابه مفردات الحزب مع مفردات البعث السوري، فالأبيض «أسود» اذا اقتضت ذلك ضرورات المرحلة، والخطاب التعْبوي ينْفلش ليقتصر على جمهورٍ ينكمش لكنه يبقى متفاعلاً على قلق يبدده الركون الى السلاح وغلبته. ألم نسمع عن «مؤامرة» دفعت بـ 12 الف لبناني الى تشكيل جيش في الاردن انتشر في بيروت وسيطر على الطرقات ونشر القنّاصة ليقتل الأبرياء ورمى القنابل على تظاهرة الاتحاد العمالي لدى غزو بيروت في 7 مايو 2008؟ ألم يقل ذلك قادة في «حزب الله» وبعض السياسيين الشبيحة الموالين؟ ألم تُقتحم وسائل إعلام وتُحرق ويُقطع بثّها؟ ألم تتم ملاحقة الذين يصوروّن بأجهزة الموبايل المسلحين الفرحين بـ «تحرير» العاصمة؟ ألم يعتبر قادة «حزب الله» غزو بيروت يوماً مجيداً بدل ان يعتذروا للضحايا الأبرياء؟... قارِنوا ذلك مع خطابات الرئيس السوري التي اعتبرت ما يجري في سورية اليوم «مؤامرة» يقودها مسلحون تدربوا في الخارج وتغذيها أجهزة إعلام ومجاميع تصوّر التظاهرات والقتل وترسلها الى فضائيات مشبوهة... قارِنوا لتعرفوا ان البحر الإعلامي والتعبوي واحد مهما تعدّدت الينابيع.
ومع ذلك هناك نقطة ما كان يجب ان تغيب عن «حزب الله» وربما هي حاضرة لكن الضرورات تبيح المحظورات. هذه النقطة تتمثل في مسؤولية الحزب عن خلق خطوط تماس ورفْع حواجز بين الشيعة، الذين ادعى مراراً انه يمثلهم وبين السوريين في مرحلة ما بعد بشار الاسد. فالحزب يعلم تماماً ان سورية التي حضنته ودعمته هي سورية «الشعب» وليست سورية «الأسد»، وان السوريين بمختلف انتماءاتهم بل بغالبيتهم المذهبية هم الذين فتحوا بيوتهم للبنانيين، لاجئين ومقاومين، وان السوريين وفي طليعتهم الثائرون اليوم على النظام هم من أعطوا دروساً في الممانعة عن قناعة وليس عن إملاءات او توجيهات، وان السوريين الذين مُنعوا حتى من أشكال التعبير الشعبي رداً على الانتهاكات الاسرائيلية لبلادهم كانوا يعيشون حال غليان وهم يرون المقاومين اللبنانيين يسطّرون الملاحم ضد اسرائيل فيما النظام يرسل مفاوضاً الى اوروبا ليرسم مع الاسرائيليين صورة لما بعد الحرب، واخيراً لا آخر، يعرف الحزب ان أطفال درعا سُحبت اظافرهم بينما سمحت اسرائيل لدبابات النظام بمحاصرة حوران متجاوِزة خطوط الاتفاقات، وان مواطنين سوريين شرفاء هتفوا للحرية فعادوا الى أهلهم بلا أحشاء بينما كان أحد أركان النظام، القريب والنسيب والشريك، رامي مخلوف يرسل الى اسرائيل رسالة مفادها ان أمن سورية من أمنها.
يدّعي الحزب انه يراهن على الشعوب لا على الأنظمة وان عمقه الاستراتيجي هم الناس لا الحكومات، لكن البوصلة ضاعت منه في الموضوع السوري، وأسست مواقفه المنحازة الى الجلاد لا الى الضحية قواعد اشتباك أخلاقية وإنسانية مع مظلومين كل جريمتهم انهم انتفضوا من أجل حياة حرة وكريمة. والخطورة كل الخطورة انه يُسقط موقفه السياسي «المصلحي» مع النظام على واقع مذهبي.
ليعتذر «حزب الله» من أهالي الضحايا السوريين. من الشعب السوري. من الثوار الطامحين الى التغيير، وليؤكد انه يحترم خيارات الناس وتضحياتهم نائياً بنفسه عن دعم نظامٍ انتقل من الخطأ الى الخطيئة، فـ «الأيام المجيدة» الحقيقية تُكتب اليوم بدماء الأبرياء لا بسيوف الطغاة، والاعتذار للمظلوم هو القوة الحقيقية العابرة للمناطق... والطوائف.