يروى أن رجلا عرض بيع عبد له بثمن زهيد، وكان يقول لمن أراد الشراء أن في العبد عيبا واحدا وهو النميمة، فاستهان أحدهم بهذا العيب وقام بشرائه.
وبعد أيام قال العبد لزوجة سيده، إن زوجك أحب امرأة أخرى وسيتزوجها، فأخذت تصيح وتولول، فقال عندي حل لذلك أحضري شعرة من أسفل لحيته وسأرسلها لمن يعمل له سحرا، ثم قال لسيده إن امرأتك أحبت رجلا غيرك وأنها قاتلك، فتظاهر الزوج بالنوم وأتت المرأة ومعها الموس فلما وضعته تحت رقبته لأخذ الشعرة، هجم عليها وقتلها، ثم ذهب العبد إلى أهل الزوجة وأخبرهم بمقتل ابنتهم، وتوجه بالمقابل إلى أهل الزوج وأخبرهم بانتقام أهل الزوجة من ابنهم، فحصلت بينهم مقتلة عظيمة.
من أقبح الصفات أن يكون الإنسان فتانا، ينقل الكلام ليفسد بين الناس، فكم من بيوت تهدمت، وارحام انقطعت، وصداقات انقلبت إلى عداوات، ولو بحثت عن السبب لوجدت أن وراءها إنسانا نماما.
النمام هو من ينقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد، وهو في سبيل ذلك يأتي لهؤلاء بوجه وأولئك بوجه، وقد يظهر المودة والحرص، وهذا حاله كالحرباء التي تتلون بحسب الحال والمكان.
لقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الخلق حين أشار إلى أنه لا يدخل الجنة نمام، وحين مر بقبرين أخبر أنهما يعذبان، وأن السبب في عذاب أحدهما أنه كان يمشي بالنميمة.
النمام إنسان عديم الضمير، سيء الخلق، قلبه أسود يكره الائتلاف ويسعى دائما لزرع بذور الاختلاف، ومثل هذا لا يستأمن لا على سر، ولا على وطن.
جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فتكلم في بعض أصحاب النبي، فخرج إلى الصحابة وقال: «لا يبلغني أحد عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم سليم الصدر».
النمام يحتاج منا إلى الصد، وعدم التصديق، ومن أجمل المواقف ما نقل عن الحسن البصري رحمه الله حين جاءه أحدهم فقال له إن فلانا يتكلم فيك، فقال له الحسن: «ألم يجد الشيطان رسولا غيرك».
في واقعنا السياسي ما أكثر النمامين الذين يسعون لاستمرار الصراع ما بين المعارضة والحكومة، وكلما اقترب الطرفان من حل وسط جاء من يدق الأسفين بينهما، متنفذون، تجار، إعلاميون، طائفيون...
إن شعرة معاوية لا ينبغي على الحكومة قطعها مع المعارضة، ولعل في الربيع العربي خير رسالة، فللصبر حدوده، وإذا شعر الناس بالكبت والتضييق والتحدي لإرادتهم، فلن يولد ذلك سوى الانفجار.
أتمنى من الحكومة أن تنتبه للنمامين وقد يكونون من نفس جسدها، وأن تدرك أن ولاء نواب المعارضة ومن خلفهم مئات الآلاف من أبناء الشعب إنما هو لهذا الوطن، لذلك لتتعامل في صراعها معهم من هذه النظرة، ولتحذر ممن يعطيها من طرف اللسان حلاوة ثم يروغ كما يروغ الثعلب.
ومن الشعر الشعبي:
لا تستمع قول الطرف يوم يَلفيك
بالكذب يقضي حاجته كل ما جاك
من نم لك نم بك ولا فيه تشكيك
ويلاه قد أزرى رفيقك وأزراك
عندك حكا فينا وعندي حكا فيك
وأصبحت كارهنا وحنا كرهناك

عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Twitter : @abdulaziz2002
Alfadli-a@hotmail.com