| علي الرز |
لم يجد النظام السوري أفضل من الناطق «المستقلّ» باسمه شريف شحاده ليرسل الى دول الخليج رداً على بيانها الداعي الى وقف حمام الدم، مفاده أن سورية قادرة على تحريض شيعة الخليج ودعم تحركهم «لكنها لم تفعل لأن الرئيس بشار الاسد صاحب فكر قومي عربي».
والى ما تحمل هذه العبارة من إهانات لأبناء الطائفة الشيعية في الخليج وغير الخليج، فانها في الوقت نفسه تدلّ على ان شيئاً لم يتغيّر في اسلوب النظام السوري وتحديداً سياسة التهديد والابتزاز التي ما زال يرى أنها يمكن ان تفيده في العلاقات الخارجية. هو يقول بكل وضوح لدول الخليج انه يستطيع ان يُشعل الحرائق فيها وان يصدّر مشكلته الداخلية اليها وان يثقب كل الزوارق الاخرى ويُغرقها معه إذا أيقن ان النجاة صعبة. لم يدرك بعد ان زمن الابتزاز ولى وان الحل في علاج مشاكله لا في تصديرها.
كان النظام مهّد لتهديده الاخير باتهام دول خليجية بالمسؤولية عن الثورة السورية، متناسياً انه المسؤول الاول والاخير عن وصول الامور الى ما وصلت اليه، فهل دول الخليج رشَت عاطف نجيب ابن خالة بشار الاسد ليعذّب اطفال درعا ثم يطلب من رجال درعا إحضار نسائهم ليتفاهم معهن؟ هل هي مَن قتل اكثر من الفي شخص واعتقل عشرة آلاف وهجّر مثلهم؟ هل هي مَن ذبح الطفل حمزة الخطيب وأخمد أنفاس الرضيعة ليال؟ هل ارسلت قواتها الى البيضا للرقص على اجساد المعتقلين امام الكاميرا؟ هل هي مَن مثل بجثث ابرياء سقطوا وبدا جنودها يرفسون الشهداء ويقولون: «بدك حرية يا ابن...»؟ وهل هي مَن دكّت المدن والقرى في رمضان بمدفعية الدبابات وأفطرت أهلها على دم وضحايا؟
اليوم يرسل النظام لدول الخليج، التي صاغت بياناً يطالب بوقف الحل الامني، تهديداً بانه قادر على تحريض الشيعة ودعمهم. هل يدرك مَن قال ذلك حجم الاهانات التي تتضمنها عبارته بحق الشيعة؟ هل الشيعة في الخليج جزء من «شبيحة» النظام السوري لا انتماء وطنياً لهم ولا قرار سيادياً حتى يتم تحريضهم ودعمهم من الخارج؟
شيعة الخليج هم اهل الخليج. مواطنون. اصحاب ارض. اصحاب تاريخ. جمعتهم مع اخوانهم في المواطنة عوامل التاريخ والانتماء والانصهار والهموم والآمال والمصالح المشتركة، يدينون بالولاء لأرضهم وأوطانهم، وقدموا الغالي والنفيس دفاعاً عن امن مجتمعاتهم واستقرارها ووحدة بلادهم. هم ليسوا جاليات طارئة او وافدة او عابرة وليسوا احزاباً او جمعيات. ليسوا خلايا نائمة تحرّكها هذه الدولة او تلك، وليسوا قنبلة موقوتة يهدد النظام السوري بتفجيرها «لولا ايمان الرئيس الاسد بالقومية العربية».
اكثر من ذلك، فباستثناء الفئة الملتزمة خياراً سياسياً معيناً (وهذا موجود في كل الطوائف)، يتألّم شيعة الخليج لكل قطرة دم نزفت في سورية، فهم انصهروا بتاريخ يرفض الظلم وينشد العدالة ويتطلع الى المساواة ولا يمكنهم ان يصفقوا لحظة لجلاد يقتل مدنياً بريئاً لمجرد انه هتف للحرية، ولا يستطيع مَن انتصرت الدماء على السيوف في موروثه ان ينتصر لسياف.
لا مشروع لشيعة الخليج خارج مشروع الدولة الواحدة العادلة، وهم يشاركون مع اخوانهم في المواطنة في مختلف اوجه الحراك السياسي الكفيل بانتقال هادئ الى صيغ سياسية اكثر تطوراً، ولم يسئ لا لشيعة الخليج ولا لسنّة الخليج الا التدخلات الخارجية الراديكالية التي اربكت الجميع وأنجبت اخطاء على المستويين الحكومي والشعبي. وكما ان سنّة الخليج ليسوا مسؤولين اطلاقاً عن تصرفات المنتمين الى «القاعدة»، فان شيعة الخليج ايضاً ليسوا مسؤولين اطلاقاً عن تصرفات «احزاب الله» في ايران والعراق وبعض دول الخليج ولبنان.
ثم ان تسمية «شيعة الخليج» وحدها تحمل ما تحمل من اساءات، فهل ابناء الطائفة الشيعية متكتلون على اساسٍ فكري وسياسي واجتماعي واقتصادي... مذهبي؟ هل هناك حزب تقدمي ويساري ويميني وليبرالي وقومي واصولي وحزب «شيعي»، ام ان الشيعي شأنه شأن اي مواطن يمكن ان تكون له انتماءات سياسية وفكرية وتوجهات اجتماعية ورؤى اقتصادية؟
لم يكن النظام في سورية ليهدد بتحريض شيعة الخليج ودعمهم لو لم يقدّم «حزب الله» اللبناني له نموذجاً في التحالف والاستذباح لنصرته على حساب شركائه في المواطنة استناداً الى معايير قائمة على تلازُم المسارين الى درجة الانصهار، لكن المسارات غير متلازمة مع الخليج ومحاولات تصدير «الفوضى» ستسرّع في... نهاية نظام البعث.
alirooz@hotmail.com
لم يجد النظام السوري أفضل من الناطق «المستقلّ» باسمه شريف شحاده ليرسل الى دول الخليج رداً على بيانها الداعي الى وقف حمام الدم، مفاده أن سورية قادرة على تحريض شيعة الخليج ودعم تحركهم «لكنها لم تفعل لأن الرئيس بشار الاسد صاحب فكر قومي عربي».
والى ما تحمل هذه العبارة من إهانات لأبناء الطائفة الشيعية في الخليج وغير الخليج، فانها في الوقت نفسه تدلّ على ان شيئاً لم يتغيّر في اسلوب النظام السوري وتحديداً سياسة التهديد والابتزاز التي ما زال يرى أنها يمكن ان تفيده في العلاقات الخارجية. هو يقول بكل وضوح لدول الخليج انه يستطيع ان يُشعل الحرائق فيها وان يصدّر مشكلته الداخلية اليها وان يثقب كل الزوارق الاخرى ويُغرقها معه إذا أيقن ان النجاة صعبة. لم يدرك بعد ان زمن الابتزاز ولى وان الحل في علاج مشاكله لا في تصديرها.
كان النظام مهّد لتهديده الاخير باتهام دول خليجية بالمسؤولية عن الثورة السورية، متناسياً انه المسؤول الاول والاخير عن وصول الامور الى ما وصلت اليه، فهل دول الخليج رشَت عاطف نجيب ابن خالة بشار الاسد ليعذّب اطفال درعا ثم يطلب من رجال درعا إحضار نسائهم ليتفاهم معهن؟ هل هي مَن قتل اكثر من الفي شخص واعتقل عشرة آلاف وهجّر مثلهم؟ هل هي مَن ذبح الطفل حمزة الخطيب وأخمد أنفاس الرضيعة ليال؟ هل ارسلت قواتها الى البيضا للرقص على اجساد المعتقلين امام الكاميرا؟ هل هي مَن مثل بجثث ابرياء سقطوا وبدا جنودها يرفسون الشهداء ويقولون: «بدك حرية يا ابن...»؟ وهل هي مَن دكّت المدن والقرى في رمضان بمدفعية الدبابات وأفطرت أهلها على دم وضحايا؟
اليوم يرسل النظام لدول الخليج، التي صاغت بياناً يطالب بوقف الحل الامني، تهديداً بانه قادر على تحريض الشيعة ودعمهم. هل يدرك مَن قال ذلك حجم الاهانات التي تتضمنها عبارته بحق الشيعة؟ هل الشيعة في الخليج جزء من «شبيحة» النظام السوري لا انتماء وطنياً لهم ولا قرار سيادياً حتى يتم تحريضهم ودعمهم من الخارج؟
شيعة الخليج هم اهل الخليج. مواطنون. اصحاب ارض. اصحاب تاريخ. جمعتهم مع اخوانهم في المواطنة عوامل التاريخ والانتماء والانصهار والهموم والآمال والمصالح المشتركة، يدينون بالولاء لأرضهم وأوطانهم، وقدموا الغالي والنفيس دفاعاً عن امن مجتمعاتهم واستقرارها ووحدة بلادهم. هم ليسوا جاليات طارئة او وافدة او عابرة وليسوا احزاباً او جمعيات. ليسوا خلايا نائمة تحرّكها هذه الدولة او تلك، وليسوا قنبلة موقوتة يهدد النظام السوري بتفجيرها «لولا ايمان الرئيس الاسد بالقومية العربية».
اكثر من ذلك، فباستثناء الفئة الملتزمة خياراً سياسياً معيناً (وهذا موجود في كل الطوائف)، يتألّم شيعة الخليج لكل قطرة دم نزفت في سورية، فهم انصهروا بتاريخ يرفض الظلم وينشد العدالة ويتطلع الى المساواة ولا يمكنهم ان يصفقوا لحظة لجلاد يقتل مدنياً بريئاً لمجرد انه هتف للحرية، ولا يستطيع مَن انتصرت الدماء على السيوف في موروثه ان ينتصر لسياف.
لا مشروع لشيعة الخليج خارج مشروع الدولة الواحدة العادلة، وهم يشاركون مع اخوانهم في المواطنة في مختلف اوجه الحراك السياسي الكفيل بانتقال هادئ الى صيغ سياسية اكثر تطوراً، ولم يسئ لا لشيعة الخليج ولا لسنّة الخليج الا التدخلات الخارجية الراديكالية التي اربكت الجميع وأنجبت اخطاء على المستويين الحكومي والشعبي. وكما ان سنّة الخليج ليسوا مسؤولين اطلاقاً عن تصرفات المنتمين الى «القاعدة»، فان شيعة الخليج ايضاً ليسوا مسؤولين اطلاقاً عن تصرفات «احزاب الله» في ايران والعراق وبعض دول الخليج ولبنان.
ثم ان تسمية «شيعة الخليج» وحدها تحمل ما تحمل من اساءات، فهل ابناء الطائفة الشيعية متكتلون على اساسٍ فكري وسياسي واجتماعي واقتصادي... مذهبي؟ هل هناك حزب تقدمي ويساري ويميني وليبرالي وقومي واصولي وحزب «شيعي»، ام ان الشيعي شأنه شأن اي مواطن يمكن ان تكون له انتماءات سياسية وفكرية وتوجهات اجتماعية ورؤى اقتصادية؟
لم يكن النظام في سورية ليهدد بتحريض شيعة الخليج ودعمهم لو لم يقدّم «حزب الله» اللبناني له نموذجاً في التحالف والاستذباح لنصرته على حساب شركائه في المواطنة استناداً الى معايير قائمة على تلازُم المسارين الى درجة الانصهار، لكن المسارات غير متلازمة مع الخليج ومحاولات تصدير «الفوضى» ستسرّع في... نهاية نظام البعث.
alirooz@hotmail.com