بدأت الدعوة الى الاسلام في هذا البلد من خلال العثمانيين الاتراك، وكانت البداية على يد اميرين من السلاجقة الاتراك وهما الامير عز الدين السلجوقي والامير ساروسلطين واللذين** تمكنا من فتح بلدة باباداغ في العام 1262م، وبدآ في الدعوة الى الاسلام في المناطق الساحلية الواقعة على البحر الاسود في كونستانتا وغيرها.
وطيلة قرنين من الزمان، استمرت هجرة الاتراك المسلمين الى البلاد التي تُعرف حاليا باسم رومانيا، ما يعرف حاليا باسم رومانيا، والتي اتم العثمانيُون سيطرتهم عليها في القرن الخامس عشر الميلادي، او الثامن الهجري، وكانت البداية في العام 1411م، عندما فتح العثمانيُون منطقة دبروجة التي تشكل ساحل رومانيا على البحر الاسود، ثم فتح العثمانيون والاشيا في العام 1416م، ثم ترانسلفانيا بعد ذلك بفترة وجيزة.
ومع قدوم العثمانيين، اخذ الاسلام ينتشر بين سكان المناطق المفتوحة في معظم شرق اوروبا وتحولت قرى ومدن باكملها الى الاسلام، وكان لسماحة الاسلام ان فضلت شعوب هذه المناطق من غير المسلمين الخضوع لحكم الاتراك على الخضوع لحكم الامبراطورية الرومانية؛ حيث قبل اهل اقليم ترانسلفانيا والمجر الحكم التركي على الخضوع لحكم اسرة هابسبورج المسيحيين.
الا انه بعد الحرب العالمية الاولى، وبعد هزيمة العثمانيين فيها تعرض المسلمون في رومانيا للاضطهاد الذي ادى الى هجرة الآلاف منهم الى تركيا، وتكرر هذا المشهد بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما استولى الشُيوعيُون على الحكم، واخذت روسيا وبلغاريا اجزاء من رومانيا كان فيها مسلمون.
ولا تزال في رومانيا بعض المدن التي تحمل اسماء اسلامية مثل مدينة المجيدية في جنوب البلاد، والواقعة على البحر الاسود، وباباداغ في الشمال التي كانت اول نقطة دخلها العثمانيُون في رومانيا حاليا.
ينقسم مسلمو رومانيا الى ثلاثة اقسام، الاول: هم المسلمون المحليُون من اصول غير رومانية، وهؤلاء يتحدرون من اصول تتارية وتركية وغجرية والبانية، ووفدوا الى البلاد مع الفتح العثماني لها، والثاني هم المُسلمون الجُدد من اهل البلاد الاصليين، واعتنق غالبيتُهم الاسلام خلال العقدين الماضيين بعد سقوط النظام الشُيوعي في رومانيا في العام 1989م، واخيرا القسم الثالث: من المسلمين الوافدين من دول عربية واسلامية، وغالبيتهم وفدوا من تركيا وسورية وايران وافغانستان وباكستان.
وينتمي غالبية المسلمين الى الطبقتين الوسطى والعليا من المجتمع، او الطبقة المُثقفة، والتي تضمُ الاطباء والمهندسين والمعلمين والمهنيين والتُجار، وينتشرون في جميع المدن الرومانية تقريبا، الا ان جزءا كبيرا منهم يعيش في محافظة كونستانتا التي تقع في جنوب شرق رومانيا بمحاذاة ساحل البحر الاسود، فيما يُقيم 12 في المئة من مسلمي رومانيا في مدينة تولتسا الرئيسية، بينما يُقيم الباقون في مدن مختلفة تقع على طول نهر الدانوب.
وتعترف الحكومة الرومانية بالاسلام ضمن 18 ديانة تعترف بها، وهو ما جعل مسلمي رومانيا يتمتعون بحقوقهم، والتي من بينها الترخيص ببناء المساجد [يوجد في رومانيا حوالي 80 مسجدا]، وتأجير القاعات لعقد الندوات والمُؤتمرات من دون قيود، كما انه تم تحديد حُصة اجبارية اسبوعية بالمدارس الابتدائية والاعدادية لتدريس الدين الاسلامي للتلاميذ المسلمين، بينما في المرحلة الثانوية تكون اختيارية للطُلاب.
وجاء انضمام رومانيا للاتحاد الاوروبي في العام 2007م، ليساعد على تدعيم المكاسب التي حققها المسلمون في رومانيا في غضون السنوات الماضية؛ حيث تم اتباع المعايير الاوروبية في ما يخص الحُريات وحقوق الانسان، ومن بينها حُرية العبادة والحُريات الدينية بشكل عام.
وفي رومانيا دار افتاء رسمية، ومُفتي رومانيا يُعتبر وزيرا في الحكومة، ويُمثل مسلمي رومانيا امام الحكومة التي تدفع رواتب العاملين في دار الافتاء هناك، ويساعد المفتي المجلس الاسلامي الرومانيُ، والذي يتكون من 23 عضوا، ويقع ومقر دار الافتاء والمجلس في مدينة كونستانتا.
ويخدم مسلمي رومانيا عددٌ كبيرٌ من المُؤسسات الاخرى بخلاف دار الافتاء، وبعض هذه المُؤسسات عربية، مثل مُؤسسة المركز الثقافي الاسلامي، ومدرسة الهلال الاسلامية، والرابطة الاسلامية والثقافية، ومُؤسسة طيبة العالمية، وبعضها الآخر تركية، مقل مؤسسة افراسيا، أوضاع المسلمين في رومانيا جيدة نسبيا إلا أنهم يشكون قلة الدعاة وغياب المنظمات الإسلامية العالمية.
ويرتبط ابناء الاقلية المُسلمة في رومانيا بروابط وثيقة مع المسلمين في العالم، ومن اهم البلدان العربية والمُسلمة التي يتواصل معها مسلمو رومانيا، تركيا والسعودية.
ومن بين ابرز المُشكلات القائمة بين مسلمي رومانيا عدم وجود دُعاة مُتخصصين من اهل البلد، كما يغيب التنسيق بين مختلف المُؤسسات التي تخدم مسلمي هذا البلد، خصوصا في مجال مكافحة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية مثل الفقر والبطالة.
«نحن نقدم نموذجا للمواطن الصالح، لذلك الاسلام الى انتشار في رومانيا»... هكذا قال سعيد اسماعيلوف الذي يدرس في احدى ثانويات كونستانتا. اسماعيلوف من القسم الاول من مسلمي رومانيا، اي المسلمين المحلين من اصول غير رومانية؛ حيث والده من اصول تتارية، بينما والدته تتحدر من اصول غجرية، ويقول: «المسلم في رومانيا قدوةٌ، لذلك يتزايد عدد الرُومانيين الاصليين الذين يدخلون الى الاسلام سنويا».
اما امجد صفوان، وهو سوريٌ كما يوحي اسمه فيؤكد ان اوضاع المسلمين في رومانيا جيدةٌ نسبيا، الا انه شكا ضعف عدد الدُعاة القادرين على مُخاطبة الرُومانيين من اهل البلد، واقناعهم بالدُخول الى الاسلام، وهو ما اكد عليه سعيد وشقيقه مُعاذ اسماعيلوف ذو الثلاثين عاما، والذي يعمل طبيبا في واحدة من عيادات جمعية طيبة الاسلامية.
الا ان مُعاذ شكا كثيرا ايضا من غياب ادوار فاعلة للمُنظمات والمُؤسسات الاسلامية الاهم في العالم العربي والاسلامي، مثل مُنظمة المؤتمر الاسلامي والازهر الشريف والندوة العالمية للشباب الاسلامي.
وركز مُعاذ وشقيقه سعيد على غياب دور المُؤسسات الشبابية العربية والاسلامية عن العمل في رومانيا، واوضح سعيد لـ«هدي الاسلام» ان الشباب المسلم في رومانيا يُعاني في مواجهة الكثير من الفتن، سواء في ما يتعلق بالحياة في مجتمع يعيش في اطار اخلاقي وقيمي آخر غير الاطار الذي يحكم المسلم في حياته اليومية، او في ما يتعلق بغياب برامج التوعية والاعلام التي تخاطب هذه الفئة من المسلمين في رومانيا.
بقي ان نشير الى ان رومانيا هي جمهوريةٌ تقع في شرق اوروبا، وعاصمتها بوخارست، وهي احدى دول اقليم البلقان، تحدُها من الشمال اوكرانيا، ومن الشمال الشرقي مولدافيا، ومن الشرق البحر الاسود، ومن الجنوب بلغاريا، ومن الغرب صربيا والمجر، وانضمت الى الإتحاد الاوروبي في اول يناير من العام 2007م.
ويوجد بها أكثر من 100 ألف مسلم معظمهم من المسلمين السنّة ويشكلون ما نسبته (5 في المئة) من اجمالي السكان البالغين 22.5 مليون نسمة غالبيتهم العظمى نحو (87 في المئة) من المسيحيين الارثوذكسية.