|الدكتور وليد العلي|
زاوية نعرض من خلالها لكل ما يعن لقراء «الراي» الأعزاء من أسئلة تتعلق بالعقيدة الاسلامية، وتحتاج الى توضيح وبيان، يجيب عنها الأستاذ الدكتور وليد محمد عبدالله** العلي، امام وخطيب المسجد الكبير، واستاذ العقيدة بكلية الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت.
وللتواصل أرسلوا بأسئلتكم عبر إيميل الجريدة
(w-alali@hotmail.com) أو فاكس رقم: (24815921)

الإيمان بالقضاء والقدر (1 من 2)

إن الايمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان وقواعد الدين، ولاحظ في الاسلام لمن لم يوقن به حق اليقين.
والقضاء والقدر: منه ما جرى فيه القلم فيما هو كائن في جميع الأكوان، ومنه ما جرى فيه القلم في خاصة شؤون الإنسان.
فأما التقدير العام: فإنه سبق خلق جميع المخلوقات العظام، ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).
وأما التقدير الخاص بكل إنسان، وما يجري له في هذه الدار من الابتلاء والامتحان: فإنه سطر عليه أيضاً وهو في بطن أمه قبل أن تشرق منه على الدنيا العينان، ففي صحيح البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: (ان أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه واجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره، ان أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
وسبق المقادير بالسعادة والشقاء لا يقضي ترك الأعمال عند العقلاء، بل يقضي الاجتهاد والحرص والعمل، حتى يأتي العبد اليقين والاجل، ففي صحيح البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة - وهي ما يختصره الإنسان من عصا - فنكس فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة، إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة، فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة، فسيصير الى عمل أهل الشقاوة، اعملوا، فكل ميسر، أما أهل السعادة، فيسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فييسرون لعمل أهل الشقاوة. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى). سورة الليل: آلآيات 5-10.
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته رضي الله عنهم بما سبق من الكتاب، وأنه جار على الخليقة بالاسباب، وقد فطر الله سبحانه جميع البرية، على الحرص على الاسباب التي بها مرام معاشهم ومصالحهم الدنيوية بل فطر الله على ذلك جميع المخلوقات البهيمية.
فنجد ان العبد انما ينال ما قدر له بالسبب الذي مكن منه وهيئ له واقدر عليه، وكلما ازداد العبد اجتهاداً في تحصيل السبب كان حصول المقدور ادنى إليه، وهذا كما اذا قدر للعبد ان يوهب الولد، فإنه لا ينال ذلك إلا بالنكاح، وكما اذا قدر له ان يحصد الزرع، فإنه لا ينال ذلك إلا بالبذر في باكورة الصباح، وكما اذا قدر له ان يروي غليله، فإنه لا ينال ذلك إلا بالنهل من الماء القراح، واذا كان هذا شأن أمور المعاش التي فيها حياة الاشباح، فمن باب أولى أمور المعاد التي فيها حياة الارواح، فمن عطل العمل اتكالاً على القدر السابق في الكتاب: فهو بمنزلة من
عطل النكاح والبذر والشراب، وهجر سائر الاسباب.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أرشد أمته في باب القضاء والقدر الى أمرين، بهما يطمئن القلب وتقر العين:
أولهما: الإيمان بالقضاء والقدر، لأنه نظام التوحيد.
وثانيهما: الاتيان بالاسباب التي توصل الى الخير، وتحجز عن الضير، لأنه نظام العيش السعيد.
كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وان أصابك شيء فلا تقل: لو اني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).
فتأمل رحمك الله قوله صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك) فإن فيه الأمر بالاتيان بالاسباب.