ثقافة حرية التعبير في زمن كهذا بدأت تأخذ كاركترا مغايرا عن السابق، وبدأت تلك الثقافة تتوسع بتوسّع طرق التواصل والتبادل الفكري، سقف الحرية الذي نتفاخر بعلوّه في بلادنا بدأ يجر البلاد إلى ما لا تقوى عليه ولا تطيقه، الآراء وإن كثرت وتعددت فهي في منطقتنا على الأخص تُعد بلا قيمة، فالاختلاف هنا لا وجود له وإنما الوجود الحقيقي والذي يبدو جلياً واضحاً غير مستتر ولا خجِل هو الخلاف وحده، الخلاف من دون التفهّم ومن دون الاحترام، الإدلاء بالرأي في أي مجلس أو موقع يُعتبر وسيلة من وسائل التصنيف المُميت، أن تبوح برأيك في بلادنا يعني أن تُصنّف من قِبل الغير وإن كنت حيادياً موضوعياً متجرداً، بات التصنيف يقرر من الأكفأ ويقرر من هو الأكثر تميزاً ومن هو الأصلح، بناء على انتمائك إما تُقبل فكرتك أو تُرفض، وبناء على انتمائك أيضاً تتم محاسبتك ومعاقبتك أو مكافأتك، لا أستثني بحديثي فئة عن فئة ولا جماعة عن أخرى، وإنما ذاك المرض غدا منتشراً في كل انتماء وفي كل هوية، يؤلمني جداً أن أقول «في كل هوية»، وكأن الهويات في البلد الواحد مختلفة بل متنازعة، وهذا فعلاً ما يحدث وما يقع، الهوية التي تميز شعباً بل أمةً باتت مشتة تقلصت أوجه الشبه فيها بل أُلغيت تحت وطأة التصنيف الخانق والتعصب الحاقد، البحث عن الحقيقة وحده يُزيل الرغبة في سحق الآخر وتهميشه، إلغاء وجود من يختلف معنا يمحي وجودنا بلا شك ولا ريب، ولا تحقق لوجود دون نقيضه، فلو لم نر الظلام لما عرفنا النور ولما كان له قيمة، وجود الأهداف المشتركة الموحدة مهما كانت قليلة أو بسيطة يوحّد صفوف العمل، الوعي المجتمعي وربط الحقيقة بالثوابت لا بالآراء يمنحنا شيء من الإنصاف للآخر وللذات، غض البصر عن الجزئيات والنسبيات والتمسك بكل ثابت حبل نجاتنا وإحدى السبل لنهضة أمتنا الهزيلة.

أنوار مرزوق الجويسري
A-aljuwaisri@hotmail.com