| القاهرة ـ من حنان عبدالهادي |
في مسيرتنا ونحن نقلب في أوراق مصرية، نتعرف فيها على «رموز المحروسة»، نقترب هذه المرة من المستشار طارق البشري، وهو مؤرخ ومفكر فذ، له العديد من الكتب التي تعد بمثابة المراجع التي أرخت للحركة الوطنية في مصر قبل ثورة يوليو وبعدها، وكتاباته الفكرية والسياسية التي أثرت المكتبة العربية والإسلامية لقيمتها الفنية العالية.
ويقول عدد من المقربين من البشري: إنه بنى عالمه الخاص عبر التزامه الأخلاقي، وتفانيه في عمله، وتميزه في إبداعاته الفكرية.لذلك فلم يكن من قبيل الصدفة اختيار المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمستشار البشري ليكون رئيس لجنة صياغة الدستور المصري.
وقضى طارق البشري حياته المهنية قاضيا، وأنهاها وهو نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس الجمعية العمومية للفتوى والتشريع، وكانت العلامة الفارقة في حياة طارق البشري يوم تحول من ـ العلمانية إلى الإسلام ـ ويوم أن أصبح قيمة مضافة للفكر الإسلامي.
ولد المستشار البشري في منطقة حلمية الزيتون «شرق القاهرة» في أول فبراير 1933 في بيت الشيخ أحمد مصطفى، والشيخ سليم البشري «جده»، الذي ـ توفي منذ 16عاما ـ أي في العام 1917، والشيخ سليم البشري مات ولم يترك سوى منزلين.. منزله القديم في البغّالة في السيدة زينب وكان فيه بعض أولاده.. ومنزله الجديد في حلمية الزيتون وهو الذي عاش فيه الفترة الأخيرة من عمره وكان المنزل مكونا من ثلاثة طوابق وبه ست شقق وكان كل من الأعمام والعمات له شقة».
وكان أولاد شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري أحد عشر ولدا وبنتا وبالتحديد بنتان و«9» أولاد.
وكان أكبر أبناء الشيخ سليم البشري، الشيخ طه البشري وكان أصغرهم عبد الفتاح البشري والد المستشار طارق وقال عنه: «كان أبي يعمل في القضاء المصري العام 1951 وهو رئيس لمحكمة الاستئناف ومات وهو في الثانية والخمسين من عمره وأنا أصغر أولاد أبي، وأنا رابع أربعة، فلي أخت وثلاثة إخوة وكان معظم أعمامي مُطربشين «أي يرتدون الطربوش» إلا أبي وعمي عبد الله الذي كان يعمل في الجيش ثم في ديوان الخديوي وكان أبي قد تخرج في سنة وفاة أبيه عام 1917 وكان يحب أن يعمل بالمحاماة لكن أباه لم يترك مالا يورث ولم يتمكن من الحياة بغير راتب فعمل في النيابة العامة والقضاء.
وعن تربيته في بيت جده ذكر المستشار البشري « لقد نشأت في بيته وكانت عماتي يكثرن من الكلام عنه وعن حياته وعن أفعاله وتأثرت بهذا جدا حتى بدا لي في لحظة من اللحظات عندما كبرت أن الشيخ سليم البشري كان صاحب السهم الأكبر في تربيتي فكنت ألبس عباءته وأنا صغير وأتدفأ بها وكان لايزال في البيت بعض الأشياء عن سليم البشري».
وأضاف: أهم شيء عرفته في حياتي نقلا عنه أن قيمة الإنسان ليست في المال وليست في منصب،وهو لم يترك مالا وعزف عن المناصب طوال عمره وأُقصي عن الأزهر لأنه أصر على الدفاع عنه في مواجهة الخديوي فأقصي عنه 5 سنوات ثم أعادوه من جديد بشروطه هو، وكان عازفا عن الشهرة والتصوير لدرجة أن له صورة أو صورتين فقط ولكنه كان يعتبر العلم القيمة الأساسية. أما إنتاجه العلمي فله بعض الكتب وكان يدرّس في الأزهر حتى وفاته وقد جاوز الثمانين وكان تخصصه في علم الحديث على المذهب المالكي.