| علي الرز |
ما حدث في العالم العربي قد يكون بداية حقبة جديدة تنقله من ضفة الى اخرى اذا احسن قائدو التغيير استثمار الفرص التاريخية، فثورات الشعوب لم تكن ضد الانظمة فحسب بل كانت ايضا ضد الايديولوجيات التي خنقت الدول والمجتمعات تارة باسم محاربة العدو او باسم القومية او الدين او الاشتراكية او الماركسية او الناصرية او البعث او العسكرتاريا المغلفة بغطاء مدني او حزبي او طائفي او عشائري.
سقطت انظمة وستسقط معها ايديولوجيات ايضا، لان المواطن العربي الذي حرم من ابسط حقوقه السياسية والاجتماعية اعطي حقنة تخدير اخرى. عاش عصر التنازلات من اجل اوهام. اخبروه ان الايديولوجية ارقى من مطالبه الشخصية وان الوطن المنتصر افضل من الانسان المهزوم. حدثوه عن الوحدة والحرية والاشتراكية واقنعوه بالاعلام الموجه والاكراه الامني والحصار الاجتماعي ان كل هذه العناصر مجسدة في «القائد» وما ادراك ما القائد. هو الرمز والقوة والمجد والعزة. هو الذي يؤرق مضاجع الغرب ويوقف زحف مؤامراتهم. وهو النظيف العفيف الشريف التقي النقي اما التجاوزات فمن البطانة.
صارت حرية التعبير خيانة اذا ساءت النيات او ترفا اذا خلصت، واصبحت المطالبة بوظيفة وراتب ومكانة اجتماعية ومدارس افضل وقطاعات صحية ارقى واقتصاد اقوى خارج جدول الايديولوجية التي اجبرته ان يصبح جزءا من نواة او خلية حزبية تبحث العلاقة بين «العروبة والاسلام» مثلا، او «الاسلام هو الدولة»، او خطوط الاتفاق والاختلاف بين طاعة «المحكوم للحاكم»، او «عوامل انهيار المنظومة الاشتراكية»، او «البعث ومجاراة العصر»، بينما «القائد» الاشتراكي يطبق نظرية «دعه يعمل دعه يمر» واقتصاد السوق والرأسمالية على اصحابه وانصاره وافراد عائلته واقربائه... بمعنى آخر يفرض القائد ايديولوجيته على الجماهير اما هو فيعيش مع المحيطين به حياة اخرى لا علاقة لها لا بالنظرية ولا بالشعار.
مطالبات الشباب العربي تمحورت حول امرين: حرية سياسية وعدالة اجتماعية. يريدون تحسين مستوى المعيشة من جهة ويريدون مشاركة حقيقية في السلطة من جهة اخرى.
قدموا دماءهم كي يفهم الحاكم ان اصواتهم العالية وقبضاتهم المرتفعة انما تعني كسر حاجز الخوف لاستعادة حق مخطوف ودور مصادر. افهموه انهم لا يقلون عنه وطنية وان كرامتهم التي اهينت بتهميشهم واقصائهم واعتبارهم في منطقة وسط بين الجهل واللا آدمية عصية على الاستكانة. صارت خطابات الرؤساء الثورية كاريكاتورية ومحل تندر، والاعلام الموجه مركزا للسرقة والتنفيع، والحزب الحاكم مسخا مشوها لافكار لا محل لها من الاعراب. والاجهزة الامنية في موقع القامع الخائف المتعاطف داخليا مع الاهل والناس.
تسقط الانظمة وتسقط الايديولوجيات تماما كما حصل في اوروبا «الغربية» بعد الحرب العالمية الثانية و«الشرقية» بعد انهيار جدار برلين. تقدمت الاحزاب «الديموقراطية المسيحية» الى الديموقراطية فقط وتمحور السجال بينها حول من يخدم المواطن اكثر، كذلك تقدمت الاحزاب الماركسية والاشتراكية المتزمتة الى الطرق الثالثة بحثا عن عصرنة وعدالة. يفوز من يقتنع المواطن انه يخدمه اكثر في التعليم والطبابة وفرص العمل وتطوير الاقتصاد وانظمة التأمين والتقاعد وتحسين المستوى المعيشي، ومن تسمح له السلطة بالمشاركة اكثر في الرأي والتعبير والحركة. تخيلوا سويديا مثلا يجادل في «سويدية» بلاده او يعتبر الهوية منطلقا لجدل سياسي وربما لحروب كما في منطقتنا، او يلتف حول «قائد» انتهت فترته الرئيسية ويحرق البلد لتعديل الدستور للتمديد والتجديد... لكنكم يمكن ان تتخيلوا اضرابات واضطرابات في حال فرضت السلطات السويدية نسبا ضريبية كبيرة على الرواتب.
لا يكفي ان تسقط الانظمة بل من الضروري ان تتوارى الايديولوجيا خلف المصلحة الحقيقية للوطن والمواطن. فالنظام الجديد قد يتماهى مع ما سبقه ان لم يعتبر الرئيس ورئيس الحكومة والوزراء والنواب انهم بمعنى ما «موظفون» وتحت الحساب لخدمة البلد وابنائه ولفترة محددة درءا للمفسدة المطلقة، وانهم ليسوا التاريخ والجغرافيا والدين بل يمكن ان يتركوا بصمة على صفحة التاريخ ان هم تنزهوا عن الشبهات والتسلط والقمع والاستنفاع والتنفيع واعتمدوا سياسة تطوير حقيقية في كل المجالات وانطلقوا في عملهم من قاعدة اساسية اسمها: «الانسان اولا».
alirooz@hotmail.com
ما حدث في العالم العربي قد يكون بداية حقبة جديدة تنقله من ضفة الى اخرى اذا احسن قائدو التغيير استثمار الفرص التاريخية، فثورات الشعوب لم تكن ضد الانظمة فحسب بل كانت ايضا ضد الايديولوجيات التي خنقت الدول والمجتمعات تارة باسم محاربة العدو او باسم القومية او الدين او الاشتراكية او الماركسية او الناصرية او البعث او العسكرتاريا المغلفة بغطاء مدني او حزبي او طائفي او عشائري.
سقطت انظمة وستسقط معها ايديولوجيات ايضا، لان المواطن العربي الذي حرم من ابسط حقوقه السياسية والاجتماعية اعطي حقنة تخدير اخرى. عاش عصر التنازلات من اجل اوهام. اخبروه ان الايديولوجية ارقى من مطالبه الشخصية وان الوطن المنتصر افضل من الانسان المهزوم. حدثوه عن الوحدة والحرية والاشتراكية واقنعوه بالاعلام الموجه والاكراه الامني والحصار الاجتماعي ان كل هذه العناصر مجسدة في «القائد» وما ادراك ما القائد. هو الرمز والقوة والمجد والعزة. هو الذي يؤرق مضاجع الغرب ويوقف زحف مؤامراتهم. وهو النظيف العفيف الشريف التقي النقي اما التجاوزات فمن البطانة.
صارت حرية التعبير خيانة اذا ساءت النيات او ترفا اذا خلصت، واصبحت المطالبة بوظيفة وراتب ومكانة اجتماعية ومدارس افضل وقطاعات صحية ارقى واقتصاد اقوى خارج جدول الايديولوجية التي اجبرته ان يصبح جزءا من نواة او خلية حزبية تبحث العلاقة بين «العروبة والاسلام» مثلا، او «الاسلام هو الدولة»، او خطوط الاتفاق والاختلاف بين طاعة «المحكوم للحاكم»، او «عوامل انهيار المنظومة الاشتراكية»، او «البعث ومجاراة العصر»، بينما «القائد» الاشتراكي يطبق نظرية «دعه يعمل دعه يمر» واقتصاد السوق والرأسمالية على اصحابه وانصاره وافراد عائلته واقربائه... بمعنى آخر يفرض القائد ايديولوجيته على الجماهير اما هو فيعيش مع المحيطين به حياة اخرى لا علاقة لها لا بالنظرية ولا بالشعار.
مطالبات الشباب العربي تمحورت حول امرين: حرية سياسية وعدالة اجتماعية. يريدون تحسين مستوى المعيشة من جهة ويريدون مشاركة حقيقية في السلطة من جهة اخرى.
قدموا دماءهم كي يفهم الحاكم ان اصواتهم العالية وقبضاتهم المرتفعة انما تعني كسر حاجز الخوف لاستعادة حق مخطوف ودور مصادر. افهموه انهم لا يقلون عنه وطنية وان كرامتهم التي اهينت بتهميشهم واقصائهم واعتبارهم في منطقة وسط بين الجهل واللا آدمية عصية على الاستكانة. صارت خطابات الرؤساء الثورية كاريكاتورية ومحل تندر، والاعلام الموجه مركزا للسرقة والتنفيع، والحزب الحاكم مسخا مشوها لافكار لا محل لها من الاعراب. والاجهزة الامنية في موقع القامع الخائف المتعاطف داخليا مع الاهل والناس.
تسقط الانظمة وتسقط الايديولوجيات تماما كما حصل في اوروبا «الغربية» بعد الحرب العالمية الثانية و«الشرقية» بعد انهيار جدار برلين. تقدمت الاحزاب «الديموقراطية المسيحية» الى الديموقراطية فقط وتمحور السجال بينها حول من يخدم المواطن اكثر، كذلك تقدمت الاحزاب الماركسية والاشتراكية المتزمتة الى الطرق الثالثة بحثا عن عصرنة وعدالة. يفوز من يقتنع المواطن انه يخدمه اكثر في التعليم والطبابة وفرص العمل وتطوير الاقتصاد وانظمة التأمين والتقاعد وتحسين المستوى المعيشي، ومن تسمح له السلطة بالمشاركة اكثر في الرأي والتعبير والحركة. تخيلوا سويديا مثلا يجادل في «سويدية» بلاده او يعتبر الهوية منطلقا لجدل سياسي وربما لحروب كما في منطقتنا، او يلتف حول «قائد» انتهت فترته الرئيسية ويحرق البلد لتعديل الدستور للتمديد والتجديد... لكنكم يمكن ان تتخيلوا اضرابات واضطرابات في حال فرضت السلطات السويدية نسبا ضريبية كبيرة على الرواتب.
لا يكفي ان تسقط الانظمة بل من الضروري ان تتوارى الايديولوجيا خلف المصلحة الحقيقية للوطن والمواطن. فالنظام الجديد قد يتماهى مع ما سبقه ان لم يعتبر الرئيس ورئيس الحكومة والوزراء والنواب انهم بمعنى ما «موظفون» وتحت الحساب لخدمة البلد وابنائه ولفترة محددة درءا للمفسدة المطلقة، وانهم ليسوا التاريخ والجغرافيا والدين بل يمكن ان يتركوا بصمة على صفحة التاريخ ان هم تنزهوا عن الشبهات والتسلط والقمع والاستنفاع والتنفيع واعتمدوا سياسة تطوير حقيقية في كل المجالات وانطلقوا في عملهم من قاعدة اساسية اسمها: «الانسان اولا».
alirooz@hotmail.com