| علي الرز |
هل يستطيع العقيد معمر القذافي ان يصف بعد الآن عشرات الآلاف من الليبيين الغاضبين بأنهم «كلاب ضالة» كما كان يطلق على أي ليبي معارض؟ هل سيكلف «اللجان الثورية» بأن تزحف على الأهالي والمدن والقرى لحماية نظامه؟ هل سيعيد فتح الملاعب لإعدامات علنية للطلاب والكتاب على قاعدة «من تحزب خان»؟ وهل سيستخدم اموال الخزينة المحرومة ليبيا منها لعقود في شراء ولاءات داخلية كما فعل مع أنظمة دولية عقدت صفقات معه على حساب المبادئ؟
اسئلة كثيرة لكن اجابتها واحدة: ليبيا تغيرت طالت ايام الغضب ام قصرت.
يستحق الليبيون، وقد خبرتهم وعايشتهم عن قرب، دولة طبيعية. دولة فيها دستور وقوانين ومؤسسات وقواعد واصول وتداول سلطة وحريات وديموقراطية وتنمية ومشاركة شعبية حقيقية في السلطة والثروة. واحدة من اغنى الدول في العالم نفطا وثروات طبيعية قياسا الى عدد السكان تعيش تحت خط التخلف. لم يفعل محتل او غاصب او منتقم او مدمر ما فعله النظام الليبي بليبيا. ادخل البلاد والعباد في مغامرات ومقامرات لا تعد ولا تحصى. احتلال دول. تفجير طائرات. خطف وقتل رموز دينية. دعم منظمات «تحرير» ثم توقيف الدعم لدى اكتشافه انها «ارهابية». ملاحقة المعارضين واغتيالهم في الخارج. سحل المخالفين لتوجهاته في الداخل وقتلهم في حفلات اعدام علنية داخل الملاعب. ازهاق ارواح المئات في السجون و«ابو سليم» ما زال شاهدا.
يعترف النظام بانه فجر طائرات وقتل مدنيين فيعقد الغرب معه صفقة تقتضي بدفع تعويضات لاهالي الضحايا وفتح باب العقود لتطوير منظومات الدفاع الجوي والقطاعات الهندسية والنفطية. يتباهى سيف الاسلام القذافي علنا وعبر وسائل الاعلام بان النظام لفق تهمة للممرضات البلغاريات كي يبتز الغرب ويعقد معه اتفاقا على اطلاقهم. يقطع العقيد علاقات ليبيا مع هذه الدولة او تلك لان السلطات القضائية فيها ستقاضي ابنه بتهمة تعذيب خادمة او اغتصاب شابة ولا يقطعها لموقفها من اسرائيل او من اي قضية عربية اخرى... والمحزن المبكي لليبيين ان هذه الدول تعتذر حرصا على مصالحها.
لم تقف دولة في العالم مع حقوق الشعب الليبي حتى في عز خصامها مع النظام، كانت الدول اما متخاصمة من اجل قضايا تهمها سواء تعلق الامر بدعم ليبيا حركات تمرد عسكرية فيها او بقتل مواطنين تابعين لها واما متصالحة من اجل مصالحها. وعندما اعلن القذافي الجهاد على سويسرا لانها قاضت ابنه على سلوك شخصي شاذ رد الناطق باسم الخارجية الاميركية بيغي كراولي ساخرا مذكرا بخطاب العقيد في الامم المتحدة: «كثير من الكلام وكثير من الأوراق التي تتطاير في كل مكان دون الكثير من المعنى». انما سرعان ما عاد كراولي الى الصحافيين معتذرا «أدرك ان تعليقاتي الشخصية فهمت كهجوم شخصي على الرئيس» واضاف «هذه التعليقات لا تعكس السياسة الاميركية ولم يقصد بها الاهانة... اعتذر اذا كانت فهمت على هذا النحو».
هكذا كانت الدول تقارب الموضوع الليبي. دولة كبيرة عظيمة يحكمها شخص صلاحياته مطلقة. ان اغضبته شخصيا توترت العلاقات وان «سايرته» تحسنت العلاقات والعقود والصفقات... اما الشعب الليبي فهو ليس في الحسبة وان دخلها صدفة او على تقاطع ازمات فسرعان ما يضحى به على مذبح المصالحة.
يبقى ان المسؤولية الاولى والاخيرة تقع اليوم على عاتق الليبيين انفسهم فهم كسروا حاجز الخوف، لكن الخوف كل الخوف ان يفرطوا بانجاز يصنعونه بالتضحية والشهادة. هم اصحاب قضية اكثر من عادلة. هم صناع تاريخ جديد يعيد بلادهم اليهم.
ولذلك عليهم ان ينبذوا اسوأ ما كان النظام يفعله اي التقسيمات والفرقة والتشتت وان يتوحدوا حول مشروع بديل ديموقراطي تحرري. مشروع نظام عاقل دستوري تعددي يسمح لكل الآراء والتوجهات ان تعبر عن نفسها تحت مظلة الاتفاق على الوحدة والتنمية والتطور.
عندما زار وفد اميركي ليبيا بعد المسرحية الشهيرة التي صيغت اثر سقوط نظام صدام حسين (احد ملهمي القذافي) وتقضي بان تقدم ليبيا ما ليس عندها، اي اسلحة الدمار الشامل، في مقابل فتح ابواب الاسرة الدولية لها. راجت مقولة ان فرق التفتيش لم تجد اسلحة دمار شامل في ليبيا بل وجدت دمارا شاملا.
ليبيا تغيرت طالت ايام الغضب ام قصرت، والليبيون سينفضون غبار الدمار عن قلوبهم ونفوسهم وبلادهم... انه الزحف الابيض على الايام السود.


Alirooz@hotmail.com