لا أستطيع أن أكتم حبي وتقديري واحترامي للدكتور عجيل النشمي منذ درست على يده في كلية الشريعة إلى يومنا هذا، هذا التقدير الذي زرعه الدكتور في قلوبنا من خلال سمته الوقور، وتواضعه الجم، وزانه بقوله لكلمة الحق المستمدة من النصوص الشرعية والتي قد تغضب الكثيرين أحياناً. فآراؤه الشجاعة في كثير من القضايا المحلية والإسلامية جعلت له مكانة سامية في نفوس الناس افتقدها كثير من أقرانه، ومن ذلك رأيه المعارض لغزو أميركا للعراق، والذي بناه على المفسدة الأكبر التي ستترتب على ذلك الغزو، من خلال هيمنة أميركا على المنطقة وزيادة نفوذها وهو ما تحقق بالفعل، ومشاركته في البيانات الموقعة من قبل العلماء والدعاة والمنشورة في الصحف في ما يتعلق بقضايا الأمة ونصرتها معلومة ومشهودة.
ولقد كان من آخر الآراء الصادقة والمخلصة للدكتور النشمي البيان المنشور يوم الأحد الماضي في إحدى الصحف المحلية حول مفهوم طاعة ولي الأمر، والذي أكد فيه على وجوب طاعة ولي الأمر إلا أن هذه الطاعة ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بالمعروف، وأنه يجب النظر إلى موضوع السمع والطاعة من جانبين الأول: أن لا سمع ولا طاعة في معصية الله، والثاني: أن النصح لولي الأمر لا ينافي السمع والطاعة، وهذا النصح له وسائل تختلف تبعاً لظروف الزمان والمكان والنظم والأعراف. وأنه لا مانع من أن تكون أساليب النصح علانية مادام الحاكم ارتضاها وفق الدستور المعمول به في البلاد سواء كان عبر المجالس النيابية أو وسائل الإعلام، وحتى المظاهرات مادامت لا تخالف القوانين. كما وضح الدكتور النشمي أنه لا يصح القول ان من عبر عن رأيه بمسيرة أو اعتصام أو مظاهرة أنه عاص لولي الأمر ومثير للفتنة ومخالف للشرع، لأن ما سمح به ولي الأمر يدخل في دائرة المباح، وأن دستور الكويت قد سمح بتلك الوسائل.
كما بين أنه لا يبعد القول عن الصحة إن قلنا: ان المظاهرات قد تكون مشروعة ومطلوبة ولو لم يأذن بها الحاكم ونظامه إذا قابلها بلوغ ظلم الحاكم مداه فعطل الشرع وحارب أهله، وصادر الحريات وكمم الأفواه، وملأ السجون، وأشاع الفساد.
واختتم الشيخ النشمي بيانه بالتحذير من تشويه صورة العلماء واظهارهم بصورة المخذلين والمثبطين والمجملين لوجه الظلم وأعوان الظالمين، لأن موقعهم عبر التاريخ كان في الوقوف مع المظلومين ونصرة للمستضعفين، وكانوا رأس الحربة في مواجهة الظالمين.
هذا الرأي الشجاع من الدكتور النشمي جعله يتعرض لهجوم غير منصف من أصحاب فتاوى القص واللصق والذين يأتون ببعض الفتاوى لمشايخ لهم كل الحب والتقدير في قلوبنا وقلوب المسلمين كالشيخين ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، والتي قد تنطبق فتاواهم على بلد ولا تنطبق على بلد آخر، ويريدون تعميم هذه الفتاوى على جميع بلاد المسلمين دون مراعاة لاختلاف الحال والزمان والمكان، مع أنه من المعلوم أن الإمام الشافعي رحمه الله قد غير بعض فتاواه بعدما انتقل من العراق إلى مصر نظراً لتغير أحوال الناس، والإمام مالك رفض أن يعمم كتابه «الموطأ» على الأمصار عندما نوى الخليفة فعل ذلك مراعاة لظروف الناس، فلماذا نحارب التقليد ثم نكون من أكبر الواقعين فيه؟
سؤال بريء
الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله يفتون بعدم جواز قيادة المرأة للسيارة، فلماذا لا يطبق بعض المتمسكين بفتاوى الشيخين هذه الفتوى على زوجاتهم وبناتهم؟


عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com