كنت وما زلت كثير الافتخار بانتمائي لهذا البلد العظيم سواء كنت في داخل البلاد أوخارجها، وأردد مقولة الشاعر:
لا شفت ضيم الناس في كل ديرة
أسجد لربي اللي خلقني كويتي
وهذا الافتخار ليس من باب العنصرية أو التعالي على عباد الله فهذه من أخلاق الجاهلية، وإنما بسبب النعم التي وهبنا الله عز وجل إياها، والتي تتمنى كثير من شعوب العالم لو تمتعوا حتى ولو بعشرها، فيكفي أن تعيش في أمان، ويكفي أن تعبرعن رأيك دون خوف مما يعرف بزوار الفجر.
إلا أن هذه النعم يبدو أن بعض أفراد الحكومة يستكثرونها علينا ويتمنون زوالها، وفي مقدمتها مفخرة الكويت بل والخليج، ولا أبالغ إن قلت الوطن العربي، وهو مجلس الأمة وما يقوم به من دور رقابي وتشريعي، فهم يسعون جاهدين لتحويله إلى ما يشبه المجلس الوطني سيئ الذكر، بحيث يصبح المجلس كما يقال في العامية (لا يهش ولا ينش)، ويريدون تحويله إلى مثل بعض البرلمانات العربية التي لا يصل إلى عضويتها إلا من يسير في ركب الحكومة أو يكون تحت جناحها.
ومن أكبر الدلائل على ذلك الهدف هو تواطؤ الحكومة والموالين لها في إفشال عقد جلسة مجلس الأمة لثلاث مرات على التوالي، وما صاحب ذلك من تضييع لمصالح الشعب، وتعطيل للحياة البرلمانية، كل ذلك من أجل رفع الحصانة عن النائب الفاضل فيصل المسلم، هذا النائب الذي لم تكن جريمته سوى الحديث عن واقعة رأى فيها ومن خلال الأدلة أنها صورة من صور الفساد السياسي في البلد، فاعتقد البعض أنه قد تجاوز الحدود، فكان لا بد من عقابه، ولأن المحاسبة في نظرهم إنما هي للضعفاء، أما أصحاب الوجاهة والنفوذ فهم أعلى من أن تتم مساءلتهم.
مع هذه الأحداث تذكرت حديث النبي عليه الصلاة والسلام والذي بين فيه أحد أسباب خراب الديار، عندما قال لأسامة بن زيد والذي جاء متوسطا لامرأة سرقت و كانت من قبيلة عريقة (بني مخزوم) «إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
إن في النفس شرهة كبيرة، شرهة على الذين أقسموا باحترام الدستور وصيانة حقوق الناس وحفظها والدفاع عنها، وهم أول من يفرط فيها، شرهة عليهم يوم جعلوا إرادتهم بيد غيرهم، وباعوا ضمائرهم من أجل الدنيا ومتعتها الزائفة، وشرهة أكبرعلى الناخبين الذين اختاروا أمثال هولاء النواب، من أجل إنجاز معاملة، أو توسط لوظيفة.
وأقول إن الذي يذل نفسه اليوم ويوطئ رأسه لغير ربه، لن يستطيع أن يرفع عينه في عين من سلم كرامته له، أو يعترض عليه إن أراد في المستقبل أن يقيد حريات الناس أو يلغي بعض مكتسباتهم. ولدي اقتراح أطرحه على أصحاب الديوانيات التي تحترم روادها و عقولهم، بأن تتعامل بكل جرأة وحزم مع النواب البصامين، والذين تهربوا من جلسة المجلس دون عذر، فإما أن يعتذروا عن استقبالهم في ديوانياتهم، كما فعلت إحدى الدواوين في منطقة الأندلس مع أحد البصامين، وإما أن يسمحوا لهم بشرط أن يبينوا حجم الجريمة التي ارتكبوها في حق أنفسهم و ناخبيهم وقبل ذلك في حق وطنهم.
ضريبة الذل
للذل فاتورة وضريبة لا بد وأن يدفعها صاحبها، وأنقل لكم كلاماً عظيماً سطره سيد قطب رحمه الله في مقالة كتبها في الخمسينات كانت بعنوان ضريبة الذل وكان مما قال «إننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية، ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة، ضحية تخون الله والناس، وتضحي بالأمانة وبالكرامة، ضحية تلهث في إثر السادة، وتلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب ثم تَهْوِي وتَنْزَوِي هنالك في السفح خَانِعَةً مَهِينَة، ينظر إليها الناس في شماتة، وينظر إليها السادة في احتقار».


عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com