جلس ذات مرة الأمير الإنكليزي إدوارد الثامن يبكي وحيداً يوم أن كان طالباً في كلية دارتماوث في مقاطعة ديفونشاير في جنوب غرب إنكلترا، وكان عمره آنذاك يقارب الرابعة عشرة عاماً، ومن بعيد كان أحد ضباط البحرية يرمقه بعينه، وعلى الفور اتجه إليه هذا الضابط يسوق خطواته بكل هدوء حتى وقف بالقرب منه، ثم مد إليه منديلاً كي يمسح من على وجهه تلك الدموع التي سالت على وجنتيه. أخذ الأمير إدوارد المنديل، ثم رفع رأسه للأعلى، فبادره ذلك الضابط وسأله عن سبب بكائه؟ لكن الأمير إدوارد في بادئ الأمر لم يكن يريد أن يُجيب عن سؤال الضابط، ولكن وبعد إلحاح شديد من الضابط قرر الأمير إدوارد أن يبوح بسر بكائه، إذ أخبره أن هناك عدداً من زملائه في الكلية يضايقونه ويركلونه بأرجلهم كلما رأوه! وعلى جناح السرعة اتجه هذا الضابط لمكتب عميد الكلية، فأخبره عن حال الأمير إدوارد وما يتعرض إليه من مضايقة وركل من قبل زملاء الكلية، فقام عميد الكلية باستدعاء أولئك الطلبة المعنيين في هذه المشكلة. وبعد أن اصطفوا أمامه أوضح لهم أن الأمير إدوارد لم يشك له شيئاً، ولكنه هو بنفسه يريد أن يقف على سبب معاملتهم العنيفة للأمير؟ وبعد الكثير من المراوغة والتلعثم والتردد اعترف الطلاب أن السبب من وراء ركلهم للأمير إدوارد هو أنهم يريدون عندما يصبحون في المستقبل ضُباطاً أو قادة في الأسطول الملكي أن يكون باستطاعتهم حين ذاك القول إنهم ركلوا الملك إدوارد الثامن في يوم من الأيام!من بضعة أيام قليلة نُشر في الصحف الكويتية خبر سياسي محلي، قبل التغيير الوزاري، مفاده أن هناك نائبين من نواب مجلس الأمة الكويتي قاما بتقديم استجوابين مختلفين لوزيرين من وزراء الحكومة، ولا شك أن الاستجواب أداة برلمانية من حق أي نائب في البرلمان أن يستخدمها، ولا شك كذلك أن بعض هذه الاستجوابات تكون هي ثورة التغيير الجميل للإصلاح والمسمار الأخير في نعش الفساد، شريطة أن يكون هذا الاستجواب الدافع الأول منه هو حب هذه البلاد والغيرة عليها ونشر العدل والمساواة واستقامة كل مائل في الوطن. أما إن نُسِج الاستجواب بخيوط الثأر أو نار البغض أو جاء تطبيقاً لرغبات الحزب، فهذا بالطبع سيكون استجواباً يشابه الماء في خواصه الثلاثة، لا طعم ولا لون ولا رائحة! تماماً كحكاية الأمير إدوارد مع زملائه في الكلية، لأن بعض نواب البرلمان الكويتي يريدون أن يقولوا بعد أن يتركوا مقاعدهم النيابية: عندما كنت نائباً في مجلس الأمة الكويتي قدمت استجواباً في يوم من الأيام!

حسين الراويalrawie1@hotmail.com