مع عطلة مجلس الأمة، ونزول مؤشر الصدام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لابد من وقفة تأمل لما حصل في الفترة الماضية من اصطفاف سلبي، والبحث عن حلول مجدية يمكن إخراج البلاد من محنته الدائمة والمتمثلة في علاقة التشنج بين الحكومة والمجلس، والمناخ السلبي القائم والذي يشجع على تكريس تلك العلاقة السلبية ثقافة بين السلطتين، وتلك هي الأزمة الحقيقية حين يكون كل ما يحيط الجو السياسي في البلاد موبوء بجملة من التناقضات التي تؤدي في مجملها إلى انشغال أعضاء البرلمان والوزراء ببعضهم البعض بدلاً من الانشغال في معالجة مشاكل الناس وإزالة عثرات الطريق من أمامهم، ومن أجل حياة عزيزة ومطمئنة ومستقرة ومريحة ينعم بها الناس في حياتهم.
وأمام زاوية من زوايا الحلول المطروحة أقف أمام دراسة قام بها الدكتور خليفة ثامر الحميدة أستاذ القانون في جامعة الكويت، بعنوان «الكويت بين نظرية الدستور وواقع العلاقات السياسية: المبادئ والمشكلة والحلول»، نشر في خاتمتها حلول عدة لأزماتنا السياسية، منها تشكيل مجلس أعيان استشاري يساعد على إيجاد حلول يمكن لها أن تخفف من شدّة الأزمات بين الحكومة والمجلس، وتشخص الواقع تشخيصاً سليماً ومتأنياً بعيداً عن المصالح الفئوية، أو الطائفية، أو العائلية، أو القبلية، أو العرقية الضيقة. وأحسب أن هذا الاقتراح جدير بالدراسة، خاصة وأن هناك من الشخصيات الكويتية التي مارست دوراً ريادياً في الماضي، وتنتمي إلى تيارات وقوى سياسية ومؤسسات المجتمع المدني التي بُنيت على يديها قبل عقود عدة من الزمن مؤسساتنا التشريعية التي نفتخر بها اليوم، وهي مازالت موجودة بيننا، تجمع بين النضج والخبرة والكرزما التاريخية والثقل السياسي ما لا يجمعه الكثير من نواب مجلس الأمة اليوم مجتمعين معاً.
مجلس الأعيان هذا، ليس رديفاً لمجلس الأمة أو للحكومة، بل موقعاً داعماً لهما، ولا علاقة له بأي سلطة أو جهة، هم فقط مجموعة من عقلاء القوم ورجالاتها الكبار الذين مضى بهم العمر وباتوا أقرب إلى توديع الحياة، ولهم من التجارب السياسية والتمحيص الاجتماعي ما لهم إلى درجة عُرِفُوا بحسن الرأي وحكمة الطرح، والعقل كل العقل أن يكون لهم اليوم مكانة بيننا، ونحن نحمل راية العمل من بعدهم دون استشارتهم، أو حتى أخذ رأيهم بصورة جماعية ولو بعنوان الاستئناس لا الإلزام.
لذا أحسب أنه من المهم اليوم أن يتشكل مجلس أعيان يساهم الجميع في ترشيح أعضائه، مجلس الأمة ومجلس الوزراء إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، ليرشحوا شخصيات ذات صفات وكرزما اعتبارية وتاريخ وطني مشرّف، ليجتمعوا مرة في الشهر على حدٍ أقل من أجل الاستفادة من آرائهم والتنور بعقولهم والاستزادة من معين خبرتهم، فهذا هو الرعيل الأول الذي علينا أن نشد الأزر به اليوم للخروج من المحن التي أصابت البلاد على الأصعدة السياسية والاجتماعية والعقدية. فتلك الشخصيات التي تصل إلى عقدها السابع والثامن بالتأكيد، وفي الأغلب، لا تحمل طموحات شخصية ولا مصالح خاصة، فلِمَ لا يكون لها دور قيمي مساهم في كلمة الفصل وفصل الكلمة التي يسعى إليها المجلسين الأمة والوزراء.


د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
qalam_20009@yahoo.com