يحز في النفس استمرار المؤزمين في قيادة الساحة الإعلامية في البلاد مصرّين على أن يكونوا نجوم المانشيت تصريحاً إن كانوا في موقع المسؤولية، أو كتابة إن كانت لهم أعمدة دورية في صحفنا المحلية، ويحز في النفس أيضاً سكوت العقلاء عن تلك المهاترات التي تعج بها القنوات الفضائية ضرباً في مقدسات الناس وشرخاً في النسيج الاجتماعي وضرباً في الوحدة الوطنية، التي نعدها بحق خطاً أحمر، وضامناً حقيقياً لاستمرار هذا البلد آمناً مطمئناً.
نعم... يحز في النفس أن نرى شلة قد شمّرت عن سواعدها وحملت فؤوس الفتنة لهدم جدار العز والشموخ في هذا البلد الكريم لجعله وكراً مستسلماً لطريقة تفكيرهم، الذي أقل ما يمكن أن ينعت به أنه رجعي أغبر، لا يمكن قبوله في القرن الواحد والعشرين، ناهيك عن تبنيه عنواناً ومنهجاً للحياة. ويحز في النفس أيضاً أن نرى ثلّة مِن مَن يمكن أن نأتمن عليهم في بناء الشخصية الرسالية المعطاءة في جيلنا الحالي والقادم، قد لبست ثوم النوم وغادرت الساحة متقوقعة في فراشها الضيق لتذهب في سبات عميق لا حول لها ولا قوة، وكان لسان حالها يقول أنا هنا، ولكن «لم أر ولم اسمع ولم أتحدث»!
وبين هيجان الشلّة، وتقاعس الثلّة، يعيش أهلنا صدمة الواقع المرير الذي نمر به، هذا الواقع الذي اتخذ من التراجع سمة يميزه عن بقية شعوب المنطقة ودول الجوار الجغرافي، بل أكثر من ذلك حين تكون ديموقراطيتنا تحت رحمة التشويه والعبث من قبل تلك الشلّة لتكون بحق نموذجاً مشوهاً غير جاذب، ولا يشجع شعوب الخليج على استيراده وتطبيقه، ناهيك عن كونه أصبح علة أمام قطار التقدم والازدهار. نقول ذلك وقد ملأت قلوبنا حسرة ونحن نرى ما يسمى بالذوق الجديد للمعارضة التي لا يشرف معارضينا الأوائل الانتساب لها، ولا حتى التعاطف معها ولو بصورة غير مباشرة.
نقول لتلك الشلّة المؤزمة، كفاكم عبئا بمستقبل أجيالنا، وكفاكم لعباً على جراحات أهلنا، وكفاكم تشويهاً لدستور بلاد تعب الآباء والأجداد على إيصاله لنا سليماً لم تمسسه يد العابثين، واعلموا أن ما تجنيه أيديكم اليوم ما هو إلا تاريخ معاد لبعض من من انتهج نهجكم في السابق وذهب إلى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه. أما الثلّة، فنقول لهم الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأنتم ما زلتم ساكتين عن حق يغتصب وضح الشمس، وديموقراطية يُشوه أمام مرأى ومسمع الجميع، وكرامات الناس وقدسية عقائدهم تداس بقدام الجهلة المؤزمين جهاراً نهاراً، وجاء الوقت لتكون لكم كلمة، ولتكن مرجعيتكم كتاب الله تعالى الذي قال «من عمل صالحاً فلنفسه».
إنه جلد للذات للشلّة، ولوم النفس للثلّة، لابد منهما اليوم قبل أن يعض الجميع الأنامل ندماً وحسرة، فاليوم نعيش عالما مفتوحا لا مكان للغة الإقصاء والإلغاء فيه، ولا أحد يستطيع أن يضع حداً للفكر الشاذ والاعتقاد اللا سوي، ولا أحد قادر على إجبار أحد على شيء... أقلية كانت أم أكثرية، والقرآن يقول «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه». فلماذا إشعال الفتن والصراعات ونحن أبناء الدليل، ولما بث روح الكراهية والنعرات الطائفية  والعرقية، ونحن حملة شمعة الرسالة الإنسانية إلى البشرية؟


د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
qalam_2009@yahoo.com