| علي الرز |
رحم الله كل شهيد سقط في بيروت امس. رحمه الله واسكنه فسيح جناته والهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان. واعان الله الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على مواجهة المرحلة المقبلة التي انتقلت فيها المخططات من بند لآخر، خصوصا بعدما تسلم اسياد الشارع زمام المبادرة وتحولوا الى سلطة حقيقية همها الاول الحصول ما امكن على تنازلات من «السلطة» التي صارت معارضة لتحقيق هدفين: اما الامساك بالمؤسسات عن طريق انتاج نظام لبناني جديد واما الفوضى والحروب. وفي الحالتين انتصار للمشروع الاقليمي الرافض لحكم الشرعية الدستورية في الشكل... وللمحكمة الدولية في المضمون.رحم الله كل شهيد سقط في بيروت امس. زهرة الشباب تذوى في المكان الخطأ والساحة الخطأ ونتيجة التعبئة الخطأ. وهل كان احد يشك في ان لعبة الشارع ستؤدي الى ما ادت اليه؟ وهل يتوهم احد بعد اليوم بأن التأسيس المستمر على الازمات والمواجهات والتحريض الطائفي وتعطيل المؤسسات سينتج حلا «حضاريا» للمشاكل الداخلية التي جرى تضخيمها بهرمونات اقليمية فانتفخت بسرعة غير طبيعية... الى درجة الانفجار؟ لا اوهام ولا اسرار. بل لم تعد التفسيرات والحجج تفيد اصحابها وكان لا بد من فتح جروح جديدة تؤسس لتصعيد جديد.كان كل من في لبنان يقول ان احداثا ستقع قبل اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة لبحث تقرير الامين العام للجامعة العربية عن جهوده لتنفيذ المبادرة العربية. الجميع تحدثوا عن ذلك في الاعلام وفي الشارع، فالنتيجة التي توصل اليها موسى (ولم يكن يحتاج الى عناء السفر اسـاسا ليتوصل اليها) هي ان فريقا من اللبنانيين مدعوما من سورية وايران لا يريد تسهيل الحل التوافقي المتمثل في انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا وقيام حكومة لا تحصل فيها الغالبية على النصف ولا المعارضة على الثلث الضامن. طبعا لن يقول موسى في تقريره ان هناك ما هو ابعد من اعداد الوزراء وان قصة المشاركة واجهة لقصص اخرى تبدأ من اطـــلاق النار على المحكمة الدولية واتهامها بالتسييس وتنتهي بالحديث عن «مشاركة» الغالبية اللبنانية في «مؤامرة» دولية ضد سورية.لم تعد الاحداث في لبنان توقعات منجمين، عرف الجميع ان التصعيد التدريجي مطلوب لثني الوزراء العرب عن تسمية الامور باسمائها او منعهم من اصدار بيان شديد اللهجة كما كان متوقعا، الى الدرجة التي صار الناس يتساءلون بعد احداث الكذبة التي اسمها «القطع المذهبي للكهرباء» قبل ايام: «هل يكفي الشغب الذي حصل لاثارة قلق الوزراء العرب ودفعهم الى عدم التصعيد؟»، لكن الشغب آنذاك لم يتخلله اطلاق نار، ولم تكن طبيعة المناطق التي حصل فيها قادرة على اشعال «الماكينة الاعلامية» تجاه «قناصة» من لون معين او مذهب معين او منطقة معينة. ثم اتى الاضراب الذي تخلى عن شعاراته السلمية النقابية لمصلحة الدواليب المحترقة وقطع الطرق واستفزاز الاجهزة الامنية، وايضا طرح التساؤل عن حجم الرسالة وهل هي كافية لتحويل الموقف العربي. ثم اتى اغتيال العقل الامني للتحقيق في التفجيرات والاغتيالات وهنا غاب التساؤل واستعرضت ارادة الموت والتخريب والتدمير عضلاتها. ثم نجح «الاحد الأسود» في استصدار بيان عادي من مجلس الجامعة... لتصل الرسالة بتوقيع 8 شهداء.اما الامساك بالحكم من خلال القدرة على تعطيل اي قرار... واما الفوضى. معادلة لم يتوقف التمهيد لها وترسيخها كأمر واقع منذ وصول طلائع المحققين الدوليين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فكل القرارات الحكومية تمت بالمشاركة باستثناء قرار واحد، هو المحكمة الدولية، فيما صار البلد برمته اسير قرارات غير حكومية وغير رسمية سواء تعلق الامر بالحرب والسلم، او باحتلال وسط العاصمة وخنق الحياة الاقتصادية والاجتماعية، او باقفال المجلس النيابي واحداث فراغ رئاسي، او بالآتي من كوارث كتبت عناوينها بالدم.وبين قرارات الشياح الدامية وقرارات العرب الخائفة... قرار يبدو كبيرا ايضا بتدفيع الجيش والقوى الامنية اللبنانية ثمن الحفاظ على الوحدة والتماسك، وثمن الانتصار الاول في لبنان على المعادلات الاقليمية في مخيم نهر البارد. امس فرانسوا الحاج ووسام عيد، واليوم اطلاق النار على الجنود في مار مخايل ومحاولة نزع اسلحتهم، وبينهما اطلاق نار سياسي على العماد سليمان من المعروفين بتلقي الاوامر يوميا من ريف دمشق... وغدا وقبل اسبوعين من الموعد المقرر لانتخاب سليمان من يعرف ماذا سيحصل. خصوصا اننا على ابواب شباط (فبراير) ففي هذا الشهر تاريخان مؤلمان. اغتيال قامة بحجم الرئيس الحريري في 14 واغتيال مؤسسة بحجم الجيش في 6.للتذكير فقط. 14 فبراير 2005 اخرجت القوات السورية من لبنان، وانقسام الجيش في 6 فبراير 1984 مهد لعودتها آنذاك الى لبنان.رحم الله شهداء الامس، ورحم لبنان من قادم الايام.