علي الرز

يختلف المسؤولون العراقيون في توصيف الجهة التي تقف خلف الاشتباكات المفاجئة في البصرة وكربلاء والنجف ومدن الجنوب العراقي فبعضهم يقول انها «جند السماء» وبعضهم يقول انها «انصار المهدي». والجماعتان تختلفان في الاجتهادات والمنطلقات وتتفقان في السلوك والممارسة. بعض افرادهما يجنح الى الهلوسة في التفكير والمجزرة في الفعل بحجة ان قتل عالم او ابادة رجال سلطة او حصول معارك في اوقات معينة كلها مقدمات لظهور الامام المهدي.وبما ان اعلام السلطة والقوى الفاعلة على الارض اقوى من اعلام «الجند» و«الانصار» فان الكثير مما يقال عن الجماعتين يبقى بحاجة الى توضيح وتفسير... ومع ذلك فالنتيجة ليست بحاجة لا الى توضيح ولا الى تفسير خصوصا اذا تمت مقارنتها بنتائج ممارسات الحركات الغربية الدينية والفكرية التي كانت تعتبر ايضا زعماءها بمثابة المخلصين الذين سينشرون الخير في الارض بعد مجموعة حوادث دراماتيكية تبدأ بتفجير مبان على رؤوس الآمنين فيها وتنتهي بالانتحار الجماعي لاعضاء هذه الجماعات وبينهم الزعيم – المخلص.لكن الفارق ان هذه الجماعات في الغرب هي اقلية مدنية تعسكرت فجأة وفي لحظة معزولة من اجل هدف ديني او غيبي، فالموت قتلا او انتحارا، يوصل الى سعادة اخرى ابدية في مفهوم هذه الجماعات التي تعتبر انها اختيرت من السماء لتكون طليعة المبشرين بهذه الجنة، اما عندنا فيبدو ان هذه الجماعات صارت عسكرية يصعب تمدينها وتعمل في لحظة مستمرة وغير معزولة... انما من اجل اهداف غيبية ايضا.وكي لا تتحمل جماعة بعينها مسؤولية القبح السياسي والاجتماعي الذي وصلنا اليه، يقتضي الانصاف الاعتراف بان السياسة الدولية ايضا وعلى اعلى المستويات اضطرت الى توظيف المعطى الديني في الخطاب اليومي المتعلق بهذه الازمة او تلك. وكم كان صعبا ان ترى العالم الحر المتحضر يتشبه بالتطرف الديني والسياسي العربي والاسلامي في لحظة تصادم حضاري كانت تفترض البعد تماما عن هذا التشبه. فالرئيس الاميركي قسم العالم كما قسمه اسامة بن لادن، ومن ليس مع الاول فهو مع الشر ومن ليس مع الثاني فهو مع الكفر. هنا لا علاقة للقانون والانظمة والدستور، فالمخالفات عمودية وليست افقية تتجاوز الأرض الى السماء خصوصا عندما يصرح الرئيس الاميركي بان الله زاره في المنام وقال له ذات يوم ان عليه ان يقلع عن الشراب، ثم قال له ايضا انه اختاره ليواجه الارهاب، ثم قال له اخيرا: «جورج اريدك ان تعمل على قيام دولة فلسطينية». وللتذكير فقط، فان بن لادن قال لزواره بعد 11 سبتمبر: «أمرت (بضم الألف وكسر الميم) أن أقاتل»، فيما نقل عن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد انه شعر بهالة ضوئية على رأسه عندما خاطب قادة العالم في الامم المتحدة.وما قاله بوش في العلن لم يختلف عما كان يقال في السر بين زعماء آخرين، ففي كتاب قصة حياتها تكشف هيلاري كلينتون المرشحة الديموقراطية للرئاسة الاميركية ان اتفاقا تم بين زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون وبين رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير (الذي غير مذهبه المسيحي اخيرا) على ان تنطلق الخطوات السياسية المشتركة «من القيم الدينية المسيحية»، اضافة الى تصريحات كثيرة سهلة على الاحصاء لرؤساء غربيين او رؤساء وزراء يمزجون بين الدين والسياسة من اجل تصفيق اكبر في المهرجانات واثبات اقوى بانهم قادرون بالتطرف ايضا على مواجهة التطرف.وبيننا وبين العالم مدرسة رسمية في استخدام الدين لتبرير العنف، هي المدرسة النموذجية الاسرائيلية التي اقحمت تعاليم السماء في كل مجزرة على الأرض، وفي اجرامها الاخير في غزة قبل يومين رفعت شعار «ابواب جهنم» خالطة بين دورها كسلطة مغتصبة وبين دور ديني مزعوم يمكنها من تصنيف الناس وفرزهم على ابواب الجنة او ابواب جهنم، فيما اثبت «الضحايا» الفلسطينيون ايضا انهم لا يقلون اجراما عن اسرائيل في خلافاتهم وانقلاباتهم، فيرمون المسنة من الطبقة السابعة وهم يصرخون «الله اكبر» ويقتلون الجريح في المستشفى وهم يهتفون باسم الله... ثم يذبحون الاسير على الطريقة الاسلامية.تحت لافتة دينية تغتصب مجموعة دينية ارضا وتهجر اهلها وتنشئ دولتها والعالم يصفق لها ويعتبرها منارة ديموقراطية، وتحت لافتة دينية يمارس الارهاب تارة باسم «الجهاد» وطورا باسم «الحرب الصليبية»، وتحت لافتة دينية يذبح عناصر «القاعدة» الرهينة الغربي والعربي والمسلم، وتحت لافتة دينية يقتل سياح ابرياء، وتحت لافتة دينية يفجر شيعة في العراق وباكستان والهند وبنغلادش وغيرها مساجد سنة ويفجر سنة مساجد شيعة، وتحت لافتات دينية تمارس ابادة في حق ابناء طائفة او مذهب او طريقة، وتحت لافتة دينية تخاض حروب وتقوم غزوات وتحصل عمليات وتتحقق «انتصارات»... والآتي اعظم.«جند السماء» و«انصار المهدي» نتيجة طبيعية لهذا الجنون الانساني. لهذا التخلف الحضاري. للعب بنار عرف من اوقدها كيف تبدأ لكنه لن يعرف كيف تنتهي. وما لم يعد الدين الى دينه والسياسة الى محرابها والقيم والعدالة والمبادئ والقوانين الى واجهة التعاطي الدولي مع الازمات وتسود ثقافة المجتمع المدني وتأخذ النخب العربية زمام المبادرة في التصدي لظواهر التطرف والانقسام بدل تركها للآخرين (وشتمهم لاحقا)... ما لم يحصل ذلك كله فقد نصل الى يوم نعتبر فيه فتوى الجماعات الجزائرية الاسلامية المسلحة بذبح الجنين في بطن امه فتوى «معتدلة» قياسا بما سنراه.

alirooz@hotmail.com