| علي الرز |
كلما شارف الوضع اللبناني على الدخول في مرحلة جديدة تتقاطع فيها الارادات المحلية والعربية والدولية، تعزف الجوقة اياها «نشيد الشتائم» ممهدة لاوضاع اصعب على الارض سواء بالاغتيال اللفظي والجسدي او من خلال تحركات ميدانية لخنق الحياة المدنية.المهم ان ينحدر مستوى الحياة السياسية اللبنانية (والاخلاقية) الى الممارسات الميليشيوية. الى مرحلة شبيهة بمرحلة التصريحات والمواقف خلال الحروب الاهلية بحيث يكون المسرح مستعدا لمشهد الرصاص لا مفاجئا للجماهير. الى منطقة الابواب المفتوحة للقناصين الملثمين والطوابير الخامسة التي استكملت تدريباتها و«محترفي اللاسلكي» والضغط على زر التفجير في الوقت المناسب.والمهم ايضا ان لا يكون هناك كبير، فقامات الكبار يجب ان تغيب عند حضور الفتن الكبيرة، لان الكبير في عرف الجوقة والمايسترو الذي يحركها هو السائر في خط معين سواء اكان ذلك عن عجز او اقتناع او ارتهان او مصلحة، مع مراعاة عدم الاعتراض على تذبذب الخط او سلوكه طرقا محللة لاصحابه محرمة على غيره. فصاحب الخط ادرى من التابعين والحلفاء بخطه ومساره ولن يبخل على المصفقين والشتامين بمكافآت على شكل اوسمة وطنية وقومية من درجة رئيس او وزير او مدير او حتى حاجب. يلوح لهم بالدعم مستقبلا فيزايدون عليه في الهجوم على الآخرين بكل مستويات الردح املا بان يسمع صوتهم قبل غيرهم، ثم يكيل لهم المديح تلو الآخر، ويمن عليهم بذكرهم علنا في قائمة الحلفاء كما فعل السيد فاروق الشرع في حديثه الاخير والمثير.مقدمة لا بد منها لفهم الهجوم غير المسبوق الذي وجهه الوزير السابق سليمان فرنجية الى غبطة الكاردينال نصر الله صفير رأس الكنيسة المارونية وسط تأييد معلن ومكتوم من بعض قوى المعارضة. فقامة البطريرك ما زالت حاجزا كبيرا امام السيل الانقلابي الجارف الذي يستميت محركوه لتصويره بانه صنع في لبنان ولاهداف لبنانية فيما كلمة حق واحدة من سيد بكركي عن اهداف التحرك والمستفيدين منه تعيد الامور الى نصابها اقله لدى جمهور كبير من اللبنانيين.صار التلطي خلف ستائر لبنانية في الحملة هنا وهناك اكثر من مفضوح وممجوج، خصوصا بعدما انتقل «امر العمليات» من الوسطاء والسرية الى وسائل الاعلام والعلنية سواء تعلق الامر بانتخاب رئيس جديد او بتركيبة الحكومة او بتعيينات الادارة المقبلة او بالرد على المبادرة العربية. ثم يأتي من يريد ان يقنع اللبنانيين ان دوافع الهجوم على سيد بكركي محلية الصنع، وان الحديث عن السيادة والاستقلال والابتعاد عن التصرف كأدوات للخارج امر يجب ان لا يصدر عن الصرح البطريركي لانه حديث سياسي سيستدرج ردا سياسيا. وتناسى الذين انحدر خطابهم الى مستوى الشتيمة ان هذا الحديث البطريركي كان على مدى العقدين السابقين فعل الايمان (واحيانا الوحيد) ببقاء لبنان بلدا حرا مستقلا ديموقراطيا.وما اشبه اليوم بالبارحة، فالكاردينال صفير الذي يعتدى عليه لفظيا اليوم لانه يوظف كل قدرات الكنيسة للخروج من الازمة، اعتدي عليه جسديا بالامس لانه دعم اتفاق الطائف كي تتوقف عجلة الانهيار اللبناني عموما والمسيحي خصوصا... وبين الاعتداءات العابرة من الحدود والمحلية العابرة لكل الحدود كان الكاردينال هو هو، جبل كما في عظة الجبل، يصافح اعداءه ويبارك لاعنيه ولا يحيد عن ثوابت الاستقلال والعيش المشترك.وما اشبه اليوم بالبارحة ايضا. راقبوا فقط وجوه اصحاب الحملة على الكاردينال وقارنوها بوجوه اصحاب حملة ما قبل زلزال جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري واصحاب حملة توابع الزلزال المظهرة لجرائم الغدر والاغتيال الاخرى. الوجوه نفسها. اللغة نفسها. الشتائم نفسها... والتمهيد نفسه لمرحلة جديدة قادمة.واذا كان اللبنانيون عبروا سلميا وحضاريا ومن خلال صناديق الاقتراع عن رفضهم لممهدي «المراحل المقبلة»، فان حلفاء الخارج والداخل اعادوهم فرضا الى صورة الحياة السياسية لاداء ادوارهم المعهودة من جهة ولمحاسبة اللبنانيين على خياراتهم الديموقراطية من جهة اخرى، والواقعية تقتضي الاعتراف بان الجملة الصحيحة الوحيدة التي قالها الشرع في حديثه الاخير بعيدا من التنظير و«أمر العمليات» كانت ان سورية اليوم ومن خلال حلفائها اقوى في لبنان من اي فترة سابقة.مجد لبنان اعطي لك يا سيدنا الكاردينال... وعار «التمهيد» اعطي لغيرك.