في عام 1953، وفي عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح، دشنت الكويت أول استثمار خارجي لها عبر وضع الفوائض المالية الناتجة عن النفط في العاصمة البريطانية لندن. وقد سبق الكويت بهذه الخطوة العديد من الدول التي اتبعت النهج ذاته لاحقاً، مثل النرويج والصين عبر صندوقين سياديين، وكذلك الإمارات العربية المتحدة.
اليوم، تحتل الكويت المركز الرابع عالمياً من حيث حجم الصناديق السيادية، بقيمة تقديرية تبلغ تريليون دولار، فيما تتصدر النرويج القائمة بقيمة تصل إلى 1.7 تريليون دولار. وتأتي الصين في المركز الثاني عبر صندوقين منفصلين بإجمالي 2.3 تريليون دولار، بينما تحل الإمارات ثالثاً بقيمة تقدر بـ 1.057 تريليون دولار، متفوقةً قليلاً على الكويت.
يُعد الصندوق السيادي النرويجي نموذجاً فريداً على مستوى العالم، حيث يُحظر عملياً السحب منه إلا في الحالات الطارئة، حفاظاً على حقوق الأجيال القادمة. وعلى الرغم من ذلك، فقد سجل الصندوق النرويجي أخيراً خسارة فصلية تُعد الأكبر منذ أكثر من ثلاث سنوات، بلغت نحو 40 مليار دولار، وهي خسارة متوقعة بالنظر إلى ضخامة محفظته التي تضم استثمارات في أكثر من 8.660 شركة حول العالم، بما في ذلك بنوك محلية كويتية. وتسعى إدارة الصندوق إلى تقليص استثماراتها في بعض الشركات الصغيرة، دون أن يعني ذلك ضرورة تحقيق أرباح سنوية من جميع استثماراته، نظراً لطبيعة الأسواق العالمية المتقلبة.
من بين أبرز استثمارات الصندوق النرويجي حصص كبيرة في كبرى شركات التكنولوجيا مثل آبل، أمازون، مايكروسوفت وتسلا. وقد كانت الخسائر الأخيرة انعكاساً لتراجع أداء هذا القطاع عالمياً، لا سيما مع بدء تطبيق الرسوم الجمركية العالية مع مطلع هذا الشهر.
وفي هذا السياق، نتطلع إلى أن يحذو صندوق الأجيال القادمة الكويتي، حذو الصندوق النرويجي، في الشفافية المطلقة، من خلال نشر تقارير دورية نصف سنوية عن أدائه واستثماراته، مع التأكيد على ضرورة عدم المساس به إلا في أضيق الظروف. بل إن اللجوء إلى الاقتراض في الأوقات الحرجة قد يكون حلاً أفضل من استنزاف هذا الصندوق الإستراتيجي.
تجدر الإشارة إلى أن عدد الصناديق السيادية حول العالم تجاوز 90 صندوقاً، بإجمالي أصول تقدر بحوالي 8 تريليونات دولار. وتتصدر المشهد دول مثل النرويج، الصين، الإمارات، الكويت والمملكة العربية السعودية، التي تبلغ قيمة صندوقها السيادي نحو 925 مليار دولار، علماً بأن بعض هذه الصناديق تم إنشاؤه عبر قروض خارجية.
إن هذه الرؤية الاستباقية التي انتهجتها الكويت منذ منتصف القرن الماضي تعكس حرصها العميق على حماية المال العام وتأمين مستقبل الأجيال القادمة من خلال استثمارات مدروسة بعيدة المدى.
وختاماً، وبفضل هذا الطموح الإستراتيجي، بدأت حتى الولايات المتحدة الأميركية التفكير في إنشاء صندوق سيادي خاص بها، رغم الفوارق الجوهرية، إذ ان إنشاء الصناديق السيادية يرتبط عادةً بالفوائض المالية، بينما تعاني الولايات المتحدة من دَين عام يفوق 1.8 تريليون دولار للعام الخامس على التوالي. ومع ذلك، تسعى الإدارة الأميركية حالياً للاستثمار في شركة «تيك توك»، للحفاظ عليها ضمن الملكية الأميركية ومنع انتقالها إلى جهات أجنبية.
كم أنتِ عظيمة يا كويت، وكم كانت رؤيتكِ بعيدة المدى في صون المال العام وضمان مستقبل مشرق للأجيال القادمة.
كاتب ومحلل نفطي مستقل
naftikuwaiti@yahoo.com