أشار تقرير بنك الكويت الوطني إلى أن الاقتصاد العالمي يقف على مفترق طرق وسط تصاعد حالة عدم اليقين في شأن السياسات العامة، في وقت يقترب فيه التيسير النقدي من حدوده القصوى، بعد التخفيضات التي شهدتها أسعار الفائدة، بينما لايزال التضخم فوق المستويات المستهدفة.

وذكر البنك أنه في الولايات المتحدة، تتزايد المؤشرات الدالة على ضعف الأداء الاقتصادي مع استمرار التقلبات المرتبطة بالتعريفات الجمركية والغموض المتعلق بالسياسات بصفة عامة، الأمر الذي انعكس في هيئة تراجع حاد لعائدات السندات وارتفاع التوقعات مرة أخرى بخفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة.

وبيّن أنه في منطقة اليورو، يشكل خطر التعريفات الجمركية تحدياً رئيسياً، غير أن الزيادة المتوقعة في الإنفاق الدفاعي قد توافر دعماً للنمو. أما الاقتصاد البريطاني، ففقد الزخم الذي شهده مطلع 2024، في ظل محدودية الأدوات المالية والنقدية القادرة على تحفيز النمو. وفي اليابان، من المتوقع أن تواصل أسعار الفائدة ارتفاعها خلال 2025، فيما صعدت عائدات السندات لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات عدة. وأخيراً، حددت الصين هدفاً طموحاً للنمو بنسبة 5 في المئة لعام 2025، وأشارت إلى عزمها على تعزيز الإنفاق المالي، كما التزمت حتى الآن باتباع نهج محسوب في الرد على سياسات الرسوم الجمركية.

ضعف الاقتصاد الإميركي

ولفت التقرير إلى ظهور مؤشرات دالة على ضعف الاقتصاد الأميركي في ظل تذبذب قرارات التعريفات الجمركية وحالة عدم اليقين المحيطة بالسياسات في الولايات المتحدة، حيث تراجعت مبيعات التجزئة والإنفاق الشخصي في يناير إلى جانب ضعف بعض مؤشرات الثقة، وذلك بعد انقضاء فترة الازدهار التي أعقبت الانتخابات.

وأضاف أنه في واقع الأمر، حذر وزير الخزانة أخيراً من «فترة التخلص من السموم» التي يمر بها الاقتصاد الأميركي، مشيراً إلى الحاجة للتحول من إنفاق القطاع العام إلى إنفاق القطاع الخاص. وتشير بعض التقديرات الحالية إلى إمكانية تسجيل الناتج المحلي الإجمالي لنمو سلبي في الربع الأول من العام، على وقع الارتفاع الاستباقي للواردات بسبب الرسوم الجمركية القادمة، وفقاً لبيانات التجارة الصادرة لشهر يناير. ويعكس أداء الأسواق هذه التوقعات القاتمة، إذ تراجعت عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بنحو 50 نقطة أساس منذ منتصف يناير، بينما انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 9 في المئة منذ 19 فبراير.

خفض الفائدة

من جهة أخرى، أفاد التقرير بأن سوق العقود الآجلة يشير إلى توقع خفض الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة (بمقدار 25 نقطة أساس) مرتين أو ثلاث، بعد أن كان يُتوقع استقراره دون تغيير أو خفض مرة واحدة قبل بضعة أسابيع فقط. في الوقت ذاته، يواصل سوق العمل فقد الزخم تدريجياً، إذ تباطأت وتيرة التوظيف على أساس شهري، وإن كان معدل البطالة لايزال عند مستوى منخفض نسبياً (4.1 في المئة) ونمو الأجور قوي (4 في المئة على أساس سنوي). ومع ذلك، فإن تباطؤاً أقوى لن يكون مفاجئاً في ظل استمرار حالة عدم اليقين تجاه السياسات ما يؤدي إلى مزيد من التراجع في مستويات الثقة والاستثمار، خصوصاً في ظل مواصلة الحكومة الفيدرالية تقليص الوظائف.

وتابع أنه من جهة أخرى، أن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي في يناير، الذي سجل نمواً معتدلاً بنسبة 2.6 في المئة على أساس سنوي، ساهم في تهدئة بعض المخاوف المتعلقة بتجدد الضغوط التضخمية، مع بلوغه أدنى مستوياته المسجلة منذ نحو أربعة أعوام.

حالة عدم اليقين بالسياسات التجارية وقرارات الإدارة الأميركية

لفت التقرير إلى أن التوقعات الاقتصادية الضعيفة تعكس إلى حد كبير حالة عدم اليقين المرتبطة بالسياسات التجارية وقرارات الإدارة الأميركية بصفة عامة. فعلى صعيد التعريفات الجمركية، لم يدخل حيز التنفيذ سوى تطبيق رسوم بنسبة 20 في المئة على السلع الصينية، بينما تم فرض العديد من الرسوم على قطاعات محددة ودول بعينها (كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي بصفة خاصة) ثم تأجيلها أو التهديد بفرضها أو إبقائها قيد المراجعة قبل تطبيقها. وينتظر أن يكون الثاني من أبريل موعداً حاسماً، إذ سيتم الكشف عن تفاصيل الرسوم «المتبادلة» على مختلف الدول. في المقابل، لم تتحقق بعد تعهدات ترامب الاقتصادية، مثل خفض الضرائب وزيادة إنتاج النفط، فيما لايزال تأثير سياسات إلغاء القيود محدوداً، الأمر الذي أدى إلى تأخير الدعم المتوقع للنمو.

في الوقت ذاته، يواجه الجمهوريون في الكونغرس تحديات كبيرة وصعوبات في تمرير وتنفيذ أجندة الرئيس، إلى جانب التعامل مع أزمة سقف الديون، في ظل أغلبيتهم الضئيلة والخلافات الداخلية الواسعة بين أعضاء الحزب، فضلاً عن غياب الدعم من الديمقراطيين.