مع اقتراب الإدارة الأميركية الجديدة من تسلم زمام الأمور، يثار التساؤل حول مدى قدرتها على خفض أسعار النفط عالمياً عبر سياسات تنموية محلية وزيادة إنتاج النفط الأميركي. هذه المهمة تواجه تحديات جمة، في ظل تعقيدات سوق الطاقة العالمي والتغيرات الجيوسياسية، بالإضافة إلى القيود الداخلية التي تحد من التوسع في الحفر والتنقيب داخل الأراضي الأميركية.

ومن جملة هذه العقبات صعوبة الحصول على الأراضي الفيدرالية، إذ إن جزءاً كبيراً من الأراضي الغنية بالنفط والغاز يقع تحت إدارة الحكومة الفيدرالية، حيث يتطلب التنقيب عليها موافقات تنظيمية طويلة ومعقدة. ومع زيادة الضغط من جماعات حماية البيئة، يصبح من الصعب الحصول على التراخيص اللازمة.

وعلى الرغم من احتمال وجود غالبية جمهورية داعمة للرئيس المنتخب في الكونغرس، إلا أن تمرير تشريعات جديدة تتعلق بتسهيل عمليات التنقيب قد يواجه معارضة قوية من الديمقراطيين ومنظمات المجتمع المدني الداعمة لقضايا البيئة.

وتشير التوقعات إلى أن أي زيادة مستقبلية في إنتاج الطاقة الأميركي ستكون مدفوعة بالغاز الطبيعي أكثر من النفط الخام، ما يعني أن القدرة على التأثير المباشر في أسعار النفط ستظل محدودة. وحتى إذا نجحت الإدارة الجديدة في زيادة إنتاج النفط بمقدار 3 ملايين برميل يومياً خلال السنوات الثلاث المقبلة، فإن خفض الأسعار إلى مستويات أقل من المعدلات الحالية 80 دولاراً للبرميل سيظل صعباً، نظراً لأن منظمة «أوبك+» لا تزال ملتزمة بخفض الإنتاج لضمان استقرار الأسواق والحفاظ على مستويات أسعار مرتفعة، وهذه السياسة تعزّز من قدرة الدول المنتجة على التحكم في الأسعار، وتحد من تأثير أي زيادة أميركية في الإنتاج.

إضافة إلى ذلك، فرض الإدارة الأميركية الحالية عقوبات صارمة على قطاع النفط الروسي وتشمل أكثر من 15 مديراً و180 ناقلة نفطية، ما يحد من قدرة روسيا على تصدير النفط بحرية. ورغم محاولات روسيا للتحايل على هذه العقوبات بالتعاون مع الصين والهند، فإن القيود المفروضة تقلل من العرض العالمي، ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع.

وفي ظل العقوبات على روسيا، تتجه الدول المستهلكة إلى دول الخليج العربي كمصدر بديل للنفط، ما يزيد الطلب على الإنتاج الخليجي. لكن هذه الدول بدورها لا تزال ملتزمة بسياسات «أوبك+» الرامية إلى التحكم في الأسعار وعدم زيادة الإنتاج بشكل مفرط.

بالموازاة، قد تحاول الإدارة الأميركية القادمة إعادة فرض العقوبات على إيران، بهدف تقليل إنتاجها النفطي ومنعها من زيادة صادراتها. إلا أن هذا المسار يحمل معه تحديات كبيرة، في حال نجحت الولايات المتحدة في خفض الإنتاج الإيراني، من شأن ذلك أن يؤدي إلى تقليص العرض العالمي ورفع الأسعار، ما يعاكس الهدف الأساسي للإدارة بخفض التكاليف على المستهلك الأميركي.

ولتعويض أي نقص في الإنتاج الإيراني، ستحتاج الولايات المتحدة إلى التعاون مع دول «أوبك+» وزيادة الإنتاج المحلي. لكن هذا السيناريو يبدو صعب التحقيق في ظل التحديات السياسية والبيئية.

بالإضافة إلى العقبات الخارجية المتمثلة في سياسات «أوبك+» والعقوبات على روسيا وإيران، تواجه الإدارة الأميركية القادمة حركة متزايدة تطالب بالتحول إلى الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وهذه الضغوط قد تعرقل أي خطط لزيادة إنتاج النفط على المدى الطويل. وتعاني الولايات المتحدة أيضاً من قيود في البنية التحتية النفطية، مثل المصافي وخطوط الأنابيب، ما قد يؤثر على قدرتها على زيادة الإنتاج وتصديره.

في ظل هذه التحديات، يبدو أن خفض أسعار النفط بشكل كبير خلال فترة الإدارة الأميركية المقبلة سيظل مهمة معقدة. وحتى مع الجهود المبذولة لزيادة الإنتاج المحلي، فإن التوازن في السوق العالمي يعتمد بشكل كبير على قرارات دول «أوبك+» وحالة الإمدادات من الدول الخاضعة للعقوبات مثل روسيا وإيران.

أمام ذلك، تبقى الإدارة الأميركية القادمة أمام اختبار صعب، يتمثل في محاولة تحقيق التوازن بين حماية المستهلك الأميركي، وضمان استقرار السوق، مع مراعاة الالتزامات البيئية والضغوط السياسية الداخلية والخارجية. وفي نهاية المطاف، ستحدد هذه العوامل مجتمعة اتجاه أسعار النفط، سواء نحو الانخفاض أو الارتفاع.

محلل نفطي مستقل

naftikuwaiti@yahoo.com