دستورياً، موانع المساواة هي العوارض التي إذا تحققت تقتضي إلغاء حكم المساواة لظهور مصلحة راجحة في ذلك الإلغاء أو لظهور مفسدة عند إجراء المساواة والمقصود بالعوارض – وهي متنوعة – الاعتبارات التي تظهر في أحوال الأشياء فتنبهنا إلى أن إجراء المساواة في بعض أحكام تلك الأشياء لا يعود بالصلاح مستقبلاً في بابه.

وحقيق بالمشرعين أن يراعوا هذه الموانع ليُعملوا آثارها في المساواة بعد تحقق ثبوتها، فإذا اضمحلت اضمحل إعمالُها وعلى المُصلِحين أن يسعوا جِدّ السعي لإزالة ما عسى أن يكون فيها ناشئاً عن عوائد ذميمة (مثل التزوير) أو حتى تقاليد سياسية قديمة حتى اشتبهت بالأعراف المستقرة بطول عهدها في أصحابها حتى أصبحت واقعاً...

ومن هذه الموانع (الجبليّة) وهي ما تتعلق بالفرد بشكل خاص مثل من يشتهر بوصف يغلب عليه مثل اشتهار الحُطيئة، بالهِجاء وقَالة السوء، واشتهار ابن أبي سلول، بالنفاق فهذا مانع يمنع من مساواتهم بغيرهم من الأسوياء، وقد تتعلق الموانع بالجماعات مثل الأخلاق الغالبة على الأحزاب بحسب تعليم خاص بهم أو تربية نشأوا عليها فيتعاملون مع غيرهم بعنصرية وعنجهية!

وهذه العوارض قد تكون دائمة وإنما سميناها عوارض؛ لأنها تعرض في وقت من الأوقات فتبطل الأصل المنظور إليه أولاً في الشريعة لأن الشريعة وتالياً في الدستور مبناها على أن المساواة هي الأصل... (لا فرق لعربي على أعجمي إلّا بالتقوى) فالفضائل مثلاً تمنع مساواة الفاضل بالمفضول في جزاء الفضيلة ولا تمنع مساواتهما في الحقوق الأخرى.

ومن الموانع السياسية أنها تكون في الأحوال الحساسة الخاصة التي تقتضي إسقاط حكم المساواة بين أصناف وأشخاص أو في أحوال طارئة تحقيقاً للمصالح العليا للبلاد، وهذه الموانع السياسية يكثر فيها اعتبار أصل التيسير على صاحب الحق تشجيعاً له على التزامه بالقانون، ويكثر فيها اعتبار الترغيب في الفضائل أو في الجري على مقصد الدولة في تكثير شيء أو تقليله ومثاله ما جعله عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بالتفاضل في الرواتب على حسب تفاضل الجنود في حفظ القرآن، وجعل سلّم الرواتب – إن جاز التعبير – على حسب الهجرة والأنصارية – كونه من الأنصار – والسابقية في الدخول في الإسلام. وقد جعل الخلفاء الراشدون على التجار الحربيين أن يدفعوا لبيت المال عُشر ثَمنْ ما يبيعونه إلا إذا اتّجروا في الطعام خصوصاً في (مكة والمدينة) فيؤخذ منهم نصف العُشر ترغيباً لهم في جلب الطعام إلى الحرمين الشريفين لكثرة الناس فيهما.

ومن أمثلة الموانع السياسية الدائمة منع مساواة سائر المسلمين قريشاً في التأهل لمنصب الخلافة الكبرى حسبما أجمع عليه المسلمون يوم السقيفة، وقد أومأ إليها كلام أبي بكر الصديق، رضي الله عنه إذ قال (إنّ العربَ لا تُدين لغير هذا الحي من قريش)، ويعني إذ لم تُجعل الخلافة خاصة بهم تنافس عليها العرب، ورأت كل قبيلة أنها أولى بها... فتضيع معالم الهُدى، ويتفرق شمل الجماعة.

والخلاصة

هذه الموانع المعتبرة في نظر الإسلام وهي كما ترى خادمة لغرض العدل بين الناس «وَلا يجرمنّكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقربُ للتقوى».

وعليه لا نرى تحقق المساواة دستورياً وعملياً في سحب الجناسي بين المزوّر والملتزم.