قبل ما يقارب السنة ونصفها، دخل قانون الخدمات الرقميّة للاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ، وبموجبه أُلزمت منصّات الإنترنت العملاقة باتخاذ إجراءات صارمة ضد المنشورات التي تحوي معلومات غير قانونية، كالمعلومات الكاذبة وخطابات الكراهية.

استحدثت الحاجة إلى هذا القانون الأوروبي ومُثلائه في العالم، بعد تزايد نشر وإعادة نشر معلومات غير قانونية، وبعد تفاقم أثرها على الاستقرار السياسي والسلم الأهلي والسيادة الوطنية في مختلف بقاع المعمورة. وتضاعفت الحاجة إلى هذا القانون الأوروبي ومثلائه بعد تعاقب وتوالي توظيف الذكاء الاصطناعي من قبل أطراف داخلية وخارجية، لإدارة الشعوب والتأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية، في العديد من الدول، الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وغيرها.

الصحف العالمية مليئة بأنباء حول اتهامات رسمية صريحة بالتدخّل في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وجّهها العديد من الدول ضد دول أخرى. وقد تكون أحدث هذه الأنباء، تلك التي تناقلتها الصحف العالمية حول تقريرين حديثين، أحدهما من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) الأميركية والآخر من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) الأميركي، بشأن الأنشطة التي مارستها كل من روسيا والصين وإيران لتعميق الاستقطاب والخلاف السياسيين بين أطياف المجتمع الأميركي، وللتأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة.

وإلى جانب التقريرين، نجد البيان الصحافي الذي أصدرته وزارة العدل الأميركية في شهر سبتمبر الماضي، الذي أعلنت من خلاله توجيه المدّعي العام (Merrick B. Garland) اتهاماً إلى اثنين من موظفي قناة روسيا اليوم (RT)، بصرف ما يقارب 10 ملايين دولار أميركي سرّاً، لتمويل وتوجيه شركة إنتاج فنّي أميركية، مقرّها ولاية تينيسي الأميركية، لإنتاج ونشر مقاطع فيديو موجّهة إلى الجمهور الأميركي، تحمل رسائل ضمنيّة تخدم المصالح الروسية.

المراد أن هذه الاتهامات الرسمية غير مقتصرة على جرائم التأثير غير المشروع في نتائج الانتخابات، بل تتضمّن أيضاً أعمال زعزعة السلم المجتمعي. والأطراف المتّهمة رسمياً ليست خارجية فقط، بل تتعاون معها وتشاركها أطراف داخلية.

الجديد الغريب من هذه الاتهامات، هو اتّهام أفراد – عوضاً عن دول ومؤسّسات حكومية خارجية – بالتدخّل في الشؤون السياسية الخاصّة بدولة أخرى، كالاتهام الذي وجّهته الحكومة الألمانية قبل قرابة عشرة أيّام ضد ملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك، بالسعي للتأثير على الانتخابات التشريعية الألمانية، المزمع إجراؤها في شهر فبراير المقبل.

لم يكتفِ إيلون ماسك بدعم حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرّف (من خلال نشر مقال في صحيفة Welt am Sonntag الألمانية ونشر تغريدات عبر منصّة إكس التي يمتلكها)، بل إنه طالب بسجن رئيس الوزراء البريطاني الحالي، بدعوى التقصير في التعاطي مع قضية الاعتداء الجنسي على أطفال في شمال إنكلترا، خلال فترة تولّيه منصب المدّعي العام الأعلى. وطالب ماسك الأميركي بإجراء تحقيق عام جديد في القضية البريطانية. وانضم معه في المطالبة بعض السياسيين المعارضين في المملكة المتحدة ومن بينهم شخصيّات من اليمين المتطرّف.

المراد أن المنظومات الديمقراطية معرّضة باستمرار لحملات تستهدف سلامة نسيجها المجتمعي ونزاهة ممارساتها الديمقراطية وموثوقيّة أركانها. والكويت ليست مستثناة من هذه الحملات.

لذلك، وحيث إن وزارة التربية حالياً في طور إعداد خطّة عمل شاملة لتطوير المنظومة التعليمية، من خلال مسارات عدّة تتضمن تحديث المناهج الدراسية في جميع المراحل التعليمية، من بين أهدافها المتعدّدة إكساب الطلبة المعارف والمهارات اللازمة لمواجهة التحديات المستقبلية؛ لذا أدعو مُعدّي الخطّة إلى إدراج مَخاطِر وسائل التواصل الاجتماعي ضمن التحدّيات المستقبلية المطلوب مواجهتها...

اللهمّ أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه.

abdnakhi@yahoo.com