جنين (الأراضي الفلسطينية) - أ ف ب - تخلو شوارع مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة من المارة باستثناء بعض الذين ينتظرون لشراء الخبز أو العائدين لتفقد منازلهم التي فرّوا منها على وقع اشتباكات متواصلة منذ شهر بين مجموعة مسلحة والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
وتدور منذ الخامس من ديسمبر مواجهات بين عناصر من أجهزة السلطة التي تقودها حركة «فتح» بزعامة الرئيس محمود عباس، و«كتيبة جنين» التي تسيطر على المخيم وتتألف من مسلّحين ينتمون الى فصائل عدة، منها حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي».
وتضاف حلقة العنف الجديدة في الضفة الى المواجهات الناتجة عن الغارات والمداهمات الإسرائيلية وهجمات المستوطنين، والتي ازدادت بنسبة كبيرة منذ بدء الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل و«حماس» في السابع من أكتوبر 2023.
وتبدو آثار الدمار والرصاص جلية في مختلف أنحاء المخيم. وبعض هذه الآثار حديث العهد جراء الاشتباكات الأخيرة.
وأغلقت المحال أبوابها في الأزقة المتضررة، بينما نصب المسلّحون متاريس حديدية لعرقلة تقدم قوات الأمن التي تنتشر في مداخل المخيم في عربات عسكرية سوداء.
ويقول مؤيد السعدي (53 عاماً) الذي كان يقود دراجة هوائية تسهّل تنقّله في المخيم «عدت فقط للاطمئنان على منزلي» بعدما غادره وأولاده الثلاثة للإقامة في مدينة جنين في ظل انقطاع الكهرباء والمياه.
وأدت الاشتباكات في المخيم الذي يناهز عدد سكانه 17 ألف نسمة، الى مقتل 14 فلسطينياً، ستة منهم من رجال الأمن وسبعة مدنيين ومسلح واحد.
كما غادر نحو ثلاثة آلاف من السكان المخيم منذ اندلاع المواجهات خوفاً على حياتهم وحياة عائلاتهم، بحسب مصادر في اللجنة الشعبية المحلية.
وتُسمع بين الحين والآخر أصوات لإطلاق نار من داخل المخيم نحو نقاط للأجهزة المتمركزة عند أطراف المخيم.
وبعدما توقفت المخابز عن العمل بسبب المعارك، يصطف سكان أمام محل أم هاني لشراء خبز يصل من خارج المخيم.
وتقول السيدة السبعينية لـ «فرانس برس»، «أعايش الحروب منذ كان عمري ثماني سنوات، لكن ما يحدث اليوم لم أره منذ حرب» يونيو 1967 التي احتلت خلالها إسرائيل، الضفة.
وتضيف «ليأتوا (أجهزة الأمن) ويعتقلوا من يريدون، نحن لا علاقة لنا بذلك».
وتقول سيدة ثلاثينية، فضّلت عدم كشف اسمها، «الجميع يريد أن يحكي لكنهم غير قادرين خوفاً من ردود فعل الطرفين... لكننا نعاني وغير قادرين على الخروج أو الدخول إلى المخيم».
«حصار»
وأعلنت السلطة أنها تنفّذ عملية سمتها «حماية وطن»، لاعتقال المسلحين الذين تعدّهم «خارجين عن القانون» ومصادرة أسلحتهم. ويقول متابعون إن السلطة متمّسكة بإنهاء «الحالة المسلّحة» في المخيم.
ويتهّم المسلحون، السلطة، بخدمة أهداف إسرائيل.
ويقول أحد المسلحين الذين كان برفقة آخرين يحملون بنادق «إم 16»، «هم (السلطة الفلسطينية) لا يريدون أي مقاومة ضد الاحتلال»، متهماً السلطة بقطع المياه والكهرباء عن المخيم.
ويضيف «بالنسبة لنا كمقاتلين، نحن معتادون على هذا الحصار»، متابعاً «لكن بالنسبة لسكان المخيم فهو مأسوي وصعب جداً على المدنيين، لا يوجد لديهم لا ماء ولا طعام، وتوقفوا أيضاً عن العمل».
ويرفض الناطق باسم الأجهزة الأمنية أنور رجب التهم بفرض «حصار».
ويقول «نحاول تجنيب المواطن أي آثار جانبية للعملية، لكن الخارجين عن القانون يهدفون إلى التضييق على المواطنين وتنغيص حياتهم اليومية».
ويتابع «نحن لا نحاصر المخيم لأن مشكلة الأجهزة الأمنية ليست مع سكان المخيم، وإنما مع الخارجين عن القانون... الناس يدخلون ويخرجون من المخيم بشكل اعتيادي»، مشيراً الى أن «المسلحين هم من يطلقون النار على طواقم الكهرباء والماء كلما حاولت إصلاح الشبكات»، وذلك لأنهم «لا يريدون كشف تحركاتهم».
«الاستهداف العشوائي»
وكان مسؤول في السلطة فضّل عدم كشف هويته أكد سابقاً لفرانس برس أنّ «الرئيس محمود عباس يرفض بشكل قاطع أي وساطة... ويشدّد على أن يسلّم هؤلاء أنفسهم وأسلحتهم للسلطة الفلسطينية».
وبدأت الأحداث عقب اعتقال الأجهزة قيادياً ميدانياً من «كتيبة جنين» بتهمة حيازة أسلحة وأموال، أعقبه قيام مسلحين بمصادرة مركبتين تابعتين للسلطة.
ولاحظ مراسل «فرانس برس» أن عدداً محدوداً من سكان مخيم جنين يتنقلون بمركباتهم، بينما يمشي آخرون سيراً على الأقدام عبر الأزقة والطرق الفرعية للقيام بأمورهم الملحة.
ورداً على سؤال بشأن الطرق الخالية، يقول مسلح «الناس في منازلهم خوفاً من الاستهداف العشوائي».
ويضيف «بالأمس قُتل أب وابنه وهما على سطح منزلهما»، وقبل ذلك «قتلت الصحافية شذى أمام منزلها»، في إشارة الى شذى الصباغ التي قضت أواخر ديسمبر.
وتتبادل الأجهزة الأمنية وكتيبة جنين المسؤولية عن سقوط المدنيين.
ويقول ملثّم في التاسعة عشرة من العمر «إذا كانوا يريدوننا نحن، لمَ لا يستهدفوننا نحن كفصائل مقاومة وكتيبة جنين، لماذا يستهدفون المدنيين»؟
ثم يؤكد «لن نتراجع».