لم تتأخر 2025 في أن «تكشر عن أنيابها» مع تَظهير وضعيةِ «الكماشة» التي تُطْبِق على الواقع اللبناني العالق بين «فكيْ» أزمة رئاسية تضرب موعداً مع محاولةٍ لتفكيك تعقيداتها في جلسة انتخابٍ مفصلية الخميس المقبل، ورياحٍ محمَلة بغبارٍ «سام» تهب من جبهة الجنوب «الخامدة» من جانبٍ واحد منذ إعلان اتفاق وقف النار في 27 نوفمبر.

ولم يَنقص «بلاد الأرز» كي تكتمل لوحة التحديات الأمنية - العسكرية إلا أن يبرز «اختبار نارٍ» على حدودها الشرقية مع «سورية الجديدة» حيث دارت مواجهات بين الجيش اللبناني وجماعات مسلحة استدعتْ أول تواصل بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، جاء أيضاً على وقع منْع دمشق دخول اللبنانيين الى «بلاد الشام» إلا لمَن يحملون إقامة سورية.

وفيما كان اتفاقُ وقف النار «مُحاصَراً» بما يَشي بأنه «بالونات حرارية» تُخْفي النياتِ الحقيقيةَ لإسرائيل في مرحلةِ ما بعد انتهاء هدنة الستين يوماً وهل ستنسحب في شكلٍ كامل إلى ما وراء «الخط الأزرق» أو تُمَدِد احتلالَها لأكثر من 60 بلدة حدودية - مع ما قد يَتركه ذلك من تداعياتٍ يُخشى أن تؤجج «الجمر تحت الرماد» - لاحت مؤشراتٌ إلى تَشابُكٍ «عنكبوتي» بين مختلف جوانب «حرب لبنان الثالثة» وخريطة الطريق لجعْلها ترسو على الحل المستدام في مرتكزاتها الأمنية وفق مندرجاتِ اتفاق 27 نوفمبر وصولاً إلى ملف إعادة الإعمار والجهات «الناظمة» له وصاحب الإمرة على «أزرار التحكم» به بما يشكل «جداراً عازلاً» عن ضغوطٍ لا تريدها طهران و«حزب الله» باباً لمزيدٍ من التراجعاتِ الناسفة لـ «خط الدفاع» الذي أقيم عن «بقايا المكتسبات» في الوضع اللبناني بامتداده الاقليمي.

وفي حين شكلتْ مَشهديةُ إصرار أجهزة الأمن في مطار رفيق الحريري الدولي على تفتيش طائرة ايرانية (تابعة لخطوط «ماهان إير») بعد معلوماتٍ عن احتمال شحْن أموال لـ «حزب الله»، من دون توفير الحقائب الدبلوماسية (اعتبر السفير الايراني مجتبى اماني ما حصل أمراً مرفوضاً) واحدةً مِن هذه المؤشرات التي تعبر ايضاً عن حساسيةِ أي تفريطٍ بأمن المطار من بوابةِ ثغرٍ قد تستغلها تل ابيب لتهديد هذا المرفق الحيوي، وسط التوقف عند أن «غضبة» الحزب عبر مناصريه وأصوات منه وقريبة عليه ربطتْ ايضاً هذا التطور بمحاولة التضييق في ملف الإعمار، فإن الأكثر دلالةً على التزامن الخطير بين المَخاطر الأعلى ذات الطبيعة الحربية وبين المنعطف الحاسم الذي تقف أمامه الأزمة الرئاسية المستعصية منذ 26 شهراً تَمثل في محطتين بالغتيْ الأهمية:

- الأولى زيارة الأمير يزيد بن فرحان، المكلف حديثاً بالملف اللبناني في وزارة الخارجية السعودية، لبيروت (بدأها الجمعة)، بعد اختيار وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان عدم المجيء إلى لبنان عشية جلسة 9 يناير الرئاسية، في تطورٍ تم التعاطي معه على أنه يعكس عدم رغبة الرياض في تقديم أي إشارةٍ بأن لها يداً مباشرة في هذا الملف، من خارج الدور المعروف ضمن «مجموعة الخمس حول لبنان» والذي وضع الإطار الناظم لهذا الاستحقاق بمواصفات الرئيس وفق أولويات الوضع اللبناني، والتي أضيفت عليها بعد الحرب عناصر أمنية مُلِحة، ولكن من دون أي دخول في الأسماء أو تزكية مرشح أو آخَر.

وفي الوقت الذي أحيطت لقاءات الأمير يزيد بن فرحان بتكتم شديد، تحدثت معلومات عن أنه بدأ اجتماعاته مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وسط تقارير عن أنه إلى جانب لقائه البالغ الأهمية مع رئيس البرلمان نبيه بري، زار أمس، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، واستقبل عدداً من النواب السنة والمستقلين، من دون أن يُعرف كاملُ جدول الزيارة.

غموضُ جلسة 9 يناير

وفي حين كان الغموضُ المُطْبَق يلف مصير جلسة 9 يناير، في ظل احتفاظ المعارضة التي تُعتبر «القوات» ركيزتها الأكبر حجماً، بورقة مرشحها الأول حتى الساعات الـ 48 أو الـ 24 الأخيرة قبل الخميس، إفساحاً أمام اتصالات «الأمتار الأخيرة» وتلافياً لحرْق أي اسم في لعبة المناورات، فإن ما بدا جلياً أن المعارضين لـ «حزب الله»، الذي يخوض المعركة الرئاسية كتفاً الى كتف مع بري وحلفاء لهما، سينزلون إلى جلسةٍ تَشي بأنها ستكون للاقتراع على قائد الجيش العماد جوزف عون، ومعهم بيدٍ سيناريو لإمكان عدم عبور هذا الخيار بأكثرية الثلثين (86 نائباً) وما فوق كبديلٍ عن تعديل دستوري في الدورة الأولى من الاقتراع، وبيدٍ أخرى محاكاة لسيناريو رئيس بـ 65 صوتاً في الدورة الثانية وما بعد يَخشون أن يكون الثنائي الشيعي والنائب جبران باسيل أعدا له لِما يُسمى «رئيس تهريبة».

ورغم أن ثمة تسليماً بأن بري ليس في وارد، ومن باب عدم الرغبة المعطوف على عدم القدرة، تغطية انتخاب رئيسٍ يُغْضِب المجتمعين العربي والدولي ولا تتطابق فيه مواصفات المرحلة الجديدة التي تجمع بين التوازنات الداخلية - التي اختلت بطبيعة الحال - وبين المتغيرات الكبرى في المنطقة في ضوء تداعيات حرب لبنان وسقوط نظام بشار الأسد في سورية، إلا أن من شأن استيلاد رئيسٍ، ولو حمل صفة الخيار الثالث (ليس رئيس مواجهة)، يكون للممانعة الجريحة يداً طولى بإيصاله وفي كنف ترتيب يديره بري أن يمنحها مَكاسب تُعاكِس وضعيتها و«ثِقلها» الحقيقي الجديد، في حين أن مجيء الرئيس من بوابة المعارضة، وبعدم فيتو من الثنائي، سيكون المدخل الفعلي لـ «لبنان الجديد» وبشروط الداخل والخارج معاً.

وإذ تم التعاطي من أوساط معارضة مع كلامٍ لباسيل حول استعداده لتأييد جعجع للرئاسة اذا كان الخيار بينه وبين كل من قائد الجيش وسليمان فرنجية وبصيغة «ولكن» على أنها في إطارِ محاولةِ «الإلهاء» في ربع الساعة الأخير قبل جلسةٍ حاسمة وقد تنتهي بلا انتخابٍ، لم يكن عابراً أن يستقبل بري أمس، وفي أول ظهور بالصوت والصورة منذ بدء الغزو البري الاسرائيلي لجنوب لبنان بعيد اغتيال السيد حسن نصر الله، رئيسَ كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد، ما اعتُبر مؤشراً إلى ارتفاع نَسَق التنسيق بين الطرفين مع العد العكسي لجلسة 9 يناير واقتراب لحظة تحديد الخيارات بناءً على الوقائع الداخلية والخارجية.

وإذ توقفت دوائر سياسية عند توقيت الزيارة غداة لقاء بري الأمير يزيد بن فرحان، برز كلام رعد بعد الاجتماع الذي تناول ايضاً الوضع في الجنوب في ضوء الخروق الإسرائيلية المتمادية لاتفاق وقف النار، وتأكيده أنه «في موضوع الاستحقاق الرئاسي، تداولنا وجهات النظر، وجرى التشديد على وجوب مقاربتنا لهذا الاستحقاق بموقف متماسك ومتفاهم عليه أساساً بين حزب الله وحركة أمل، تحقيقاً لما يراه الفريقان مناسباً للبلاد في المرحلة الراهنة التي تزدحم فيه الملفات والقضايا التي تحتاج إلى معالجات جدية وناجحة وسريعة».

مهمة هوكشتاين

- والمحطة الثانية التي طبعت المشهد اللبناني يشكلها ترقُب وصول الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت (قبل أيام من انتهاء مهمته مع دخول دونالد ترامب البيت الابيض) في الساعات المقبلة لترؤس اجتماع غداً للجنة الخماسية التي تقودها الولايات المتحدة والمولجة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف النار والقرار 1701، خصوصاً في ضوء إمعان إسرائيل في تطبيقه بنسخةٍ تبدو مستمَدة في بعض جوانبها من التحول الجيو – سياسي الذي شكله سقوط نظام الأسد وتفكيك «الحلقة الذهبية» في قوس النفوذ الإيراني الذي يوصل طهران الى المتوسط و«حبل السرة» الرئيسي الذي يغذي حزب الله بالسلاح.

هدنة الـ 60 يوماً

وفي حين كان الرئيس الشريك لهوكشتاين للجنة الإشراف على تطبيق وقف النار الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، أبلغ الى بري أن إسرائيل ستنسحب فور انتهاء الهدنة في 27 يناير من كل الأراضي التي توغلت فيها على الحافة الأمامية في جنوب لبنان، صدرت من تل أبيب مناخاتٍ مُتعاكِسةً حيال هذا الأمر عبر عنها ما نقلتْه هيئة البث الإسرائيلية عن أن «من المتوقع أن تنقل إسرائيل رسالة إلى الولايات المتحدة بأنها لن تنسحب من جنوب لبنان بعد مهلة الـ 60 يوماً ولن تسمح لسكان القرى اللبنانية القريبة من الحدود بالعودة إلى منازلهم».

في المقابل، أشارت وسائل إعلام الى انه «لم يُتخذ قرار بشأن تمديد بقاء الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان حتى الآن». ونقلت القناة 12 عن مصادر أمنية ان «موعد انسحاب قوات الجيش من جنوب لبنان ليس مقدساً ومتعلق بالواقع».

وتزامن ذلك مع توغُل الجيش الإسرائيلي أمس بدباباته في بلدات جنوبية وتحليق طائرات استطلاعية ومسيرات في أجواء قرى جنوبية والضاحية الجنوبية لبيروت بعدما كان طيرانه الحربي أغار قبل 3 أيام على ما زعم أنه منصات صواريخ لـ «حزب الله» شمال الليطاني.

مواجهات حدودية

وفي الملف الحدودي المستجد مع سورية، بدا أنه تم احتواء المواجهات التي وقعت الجمعة أثناء عمل وحدة من الجيش اللبناني على إغلاق معبر غير شرعي في منطقة معربون - بعلبك، «حين حاول أشخاص سوريون فتح المعبر بواسطة جرافة، فأطلق عناصر الجيش نيراناً تحذيرية في الهواء، وعمد السوريون إلى إطلاق النار نحو عناصر الجيش ما أدى إلى إصابة أحدهم ووقوع اشتباك بين الجانبين»، كما أكد الجيش اللبناني.

وشهدت هذه المواجهات جولة ثانية مع محاولة مسلحين التقدم مجدداً في اتجاه الأراضي اللبنانية ليتصدى لهم عناصر فوج الحدود البري، فيما أعلن الجيش أن المسلحين استهدفوا «وحدة عسكرية بواسطة سلاح متوسط، ما أدى إلى تعرض 4 عناصر من الجيش لإصابات متوسطة».

وفي ظل تقارير عن أن الجيش شن غارة بوساطة طائرة من طراز «سيسنا» استهدفت تجمعاً للمسلحين ما ادى لوقوع اصابات في صفوفهم، أرسلت لاحقاً «هيئة تحرير الشام» قوة إلى سرغايا وحصلت اتصالات مع الجانب اللبناني أكدت فيها رغبتها بتوقف الاشتباكات وعدم اتساعها.

وفي حين سُمعت أمس أصوات الرصاص والاشتباكات المسلحة في سرغايا داخل الأراضي السورية، وسط معلومات عن أنها دارت بين عناصر «تحرير الشام» ومهربين مسلحين من البلدة، رصدت قناة «العربية» التعزيزات التي أرسلتها ادارة العمليات العسكرية في سورية إلى المنطقة.

وأفادت القناة بأن مزيداً من الآليات والعناصر الأمنية انتشر على الحدود لا سيما قرب بلدتي سرغايا ومعربون المقابلة لمنطقة بعلبك شرق لبنان، وبثت فيديوات خاصة تُظْهِر الانتشار العسكري على الجانب السوري من الحدود.

وكان الشرع أكد لميقاتي في الاتصال بينهما أن «الأجهزة السورية المعنية قامت بكل ما يلزم لاعادة الهدوء على الحدود ومنع تجدد ما حصل». كما وجه له دعوة لزيارة دمشق من اجل البحث في الملفات المشتركة بين البلدين وتمتين العلاقات الثنائية.

رحلة «ماهان»

في موازاة ذلك، لم تهدأ تفاعلات قضية تفتيش طائرة إيرانية في مطار بيروت، على خلفية الاشتباه بتهريب أموال إيرانية الى «حزب الله»، وعدم توفير دبلوماسي إيراني كان على متنها ورفض بداية تفتيش حقائبه.

ورغم إعلان الخارجية اللبنانية أنها تلقت مذكرة كتابية توضيحية من السفارة الايرانية «حول محتويات حقيبتين صغيرتين دبلوماسيتين حملهما دبلوماسي ايراني على متن رحلة ماهان تاريخ 2 يناير وتحتويان على وثائق ومستندات وأوراق نقدية لتسديد نفقات تشغيلية خاصة باستعمال السفارة فقط. وبناء عليه، تم السماح بدخول الحقيبتين وفقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961»، انتقد السفير الإيراني مجتبى أماني ما قام به مسؤولو مطار بیروت، قائلاً «ان مثل هذه الإجراءات ضد طائرة إيرانية مرفوضة».

وشدد السفير في تصريحات نقلتها «وكالة إيسنا للأنباء»، على أن «الإجراء الذي اتخذته السلطات اللبنانية كان نتيجة عدم وعیهم بشأن الحقيبة الديبلوماسية الإيرانية وهم حاولوا فتح الحقیبة لكنه تم حل الموضوع بعد تدخل وزارة الخارجية وإبلاغ نظيرتها اللبنانية بذلك وخرجت الحقیبة من مطار بيروت من دون تفتيش».

وأضاف أنه «عقب إجراءات التفتيش حدث ازدحام وتأخير للركاب وتسبب في استياء الكثير من الأشخاص والركاب».

وختم «ان هذا الإجراء ضد طائرة إيرانية مرفوض ونحن نعترض علیه وإذا کان الأمر كذلك، فإنه ينبغي أن تنطبق على الآخرين أيضاً».