قال المتحدث الرسمي نائب الرئيس التنفيذي للتخطيط والابتكار في شركة نفط الكويت محمد العبدالجليل، إن الشركة تحتفل هذا العام بمرور 90 عاماً على تأسيسها، حيث تمكنت خلال هذه العقود من تحقيق الريادة ليس فقط في مجال استكشاف وإنتاج النفط والغاز، بل أيضاً في مجالات أخرى تُبرز التزامها بمسؤوليتها تجاه الكويت والعالم.
ولفت إلى أن الشركة كرّست جهودها لتعزيز احتياطيات الكويت من الموارد البترولية، وزيادة مستوى الإنتاج، ما أسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني، والمساهمة في مسيرة التطوير، كما أولت اهتماماً بالغاً بتطوير الكفاءات البشرية، سواء من العاملين لديها أو من أبناء المجتمع، مع الحرص على حماية البيئة ودعم القطاعات المختلفة، والعمل الدؤوب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وكان شعار الشركة على الدوام الوقوف إلى جانب قيادة الكويت الحكيمة ومساندة مسيرتها التنموية، وهو عهد لم يُغفل لحظة واحدة.
وبين العبدالجليل أن أبناء الشركة عملوا على تحقيق هذا الالتزام بكل جد وإخلاص، ما أثمر عن إنجازات متتالية ونجاحات بارزة، حتى أصبحت الشركة نموذجاً يُحتذى به في العمل والإنتاجية.
محطات مضيئة
واستعرض العبدالجليل المحطات المضيئة في تاريخ الشركة، بما في ذلك مساهمتها المتميزة خلال المراحل الأكثر تحدياً.
فقد تأسست «نفط الكويت» 1934، نتاج شراكة بين شركتين عالميتين: شركة النفط الإنكليزية الإيرانية، المعروفة حالياً باسم «بريتيش بتروليوم» (BP)، وشركة غالف للزيت الأميركية، التي تُعرف اليوم باسم«شيفرون».
ومُنحت في ذلك العام امتياز التنقيب عن النفط في الكويت. وفي 1936، قامت الشركة بحفر أول بئر استكشافية في منطقة «بحره»، لتضع بذلك الأساس لنهضة قطاع النفط في البلاد.
وفي 1938، تحقق اكتشاف تاريخي مع العثور على النفط في حقل برقان الكبير، الذي لا يزال حتى يومنا يُعتبر ثاني أكبر حقل نفطي في العالم.
وفي 30 يونيو 1946، حققت «نفط الكويت» إنجازاً تاريخياً تمثل في تصدير أول شحنة من النفط الخام. وشهد هذا الحدث البارز قيام المغفور له، أمير البلاد الراحل الشيخ أحمد الجابر، بتدوير العجلة الفضية، إيذاناً بتحميل أول شحنة نفطية على متن الناقلة البريطانية«بريتيش فوسيلير».
وواصلت «نفط الكويت» جهودها الإستراتيجية، ومن أبرز إنجازاتها إنشاء مدينة الأحمدي. والتي أصبحت بمرافقها الإدارية وورش العمل والمباني السكنية الخاصة رمزاً للشركة، خاصة مع التطورات المتلاحقة التي جعلتها نموذجاً للحداثة والتقدم.
مختلف المجالات
وبين عامي 1951 و1953، امتدت عمليات التنقيب إلى منطقة المقوع، حيث تم بدء الإنتاج من الحقل هناك. ثم، في ديسمبر 1955، حققت الشركة اكتشافاً جديداً باكتشاف النفط في منطقة الروضتين شمال الكويت، ما عزّز مكانة الكويت كدولة رائدة في إنتاج النفط.
ولم يقتصر توسع الشركة على الجانب الصناعي فقط، بل شمل أيضاً الجوانب الاجتماعية والثقافية.
وفي 1956، أنشأت الشركة معرضاً متخصصاً لعرض تاريخها وعملياتها، حيث لعب هذا المعرض دوراً ريادياً في تعريف الجمهور بصناعة النفط والغاز وأهميتهما.
وأنشأت «نفط الكويت» مركز الحبارى لخدمة موظفيها، يليه مركز الاتحاد وبيت الضيافة في الأحمدي. شكلت هذه المشاريع إضافة نوعية عززت من الأجواء العائلية بين العاملين، وأتاحت استضافة فعاليات محلية وإقليمية بارزة، ما أسهم في تعزيز الروابط بين الشركة ومجتمعها.
وفي 27 أبريل 1960، دشنت «نفط الكويت» مستشفى الأحمدي، الذي شكّل نقلة نوعية في تقديم خدمات الرعاية الصحية لموظفي الشركة وأفراد عائلاتهم. تم إنشاء الصرح الطبي وفق أفضل المعايير المتاحة في ذلك الوقت، ليكون نموذجاً متقدماً في تقديم الخدمات الصحية. وتوسّعت خدمات المستشفى تدريجياً لتشمل جميع العاملين في القطاع النفطي وعائلاتهم، ثم امتدت لتقديم المساعدة لسكان مدينة الأحمدي ومحيطها.
ولم يقتصر التطور على نطاق الخدمات فقط، بل شمل التخصصات الطبية أيضاً، حيث أضاف المستشفى العديد من الأقسام المتقدمة.
وتواصلت جهود التطوير حتى افتتاح المستشفى الجديد 2017، الذي يُعد اليوم مركزاً صحياً شاملاً، يقدم خدمات طبية تخصصية وفق أحدث التقنيات والمعايير العالمية، مؤكداً التزام شركة نفط الكويت برعاية موظفيها والمجتمع المحيط بها.
نقطة تاريخية
وشهدت منتصف سبعينات القرن العشرين تحولاً جذرياً في مسيرة «نفط الكويت»، حيث بدأ هذا التغيير في 1974 عندما مُنحت الكويت نسبة 60 % من عمليات الشركة بموجب اتفاقية المشاركة التي أقرها مجلس الأمة الكويتي. أما النسبة المتبقية، وهي 40 %، فقد تقاسمتها شركة البترول البريطانية وشركة الخليج مناصفة.
وفي مارس 1975، اكتملت هذه المسيرة بتأميم الشركة بالكامل، إيذانًا ببدء حقبة جديدة مشرقة في تاريخها، حيث شكّل هذا التحول التاريخي بداية عهد من العطاء والازدهار الذي استمر حتى اليوم، معزّزاً مكانة الكويت في قطاع النفط العالمي.
من النتائج الأولية لهذا الإنجاز، كان وضع حجر الأساس لمشروع الغاز في ميناء الأحمدي في نوفمبر 1976 على يد المغفور له الشيخ صباح السالم، طيب الله ثراه.
وافتُتح المشروع بعد 3 سنوات ليكون إضافة إستراتيجية لقطاع النفط والغاز في البلاد.
كما شهد عام 1977 إنجازاً آخر مع حفر أول بئر استكشافية عميقة في حقل برقان، بعمق يصل 20 ألف قدم، ما عزّز قدرة الكويت على الاستكشاف والإنتاج في الحقول النفطية الكبرى.
ملحمة الصمود
وتأثرت جميع قطاعات الكويت بالغزو الذي تعرضت له البلاد في 2 أغسطس 1990، حيث واجهت «نفط الكويت» توقفاً شبه كامل في عملياتها اليومية. ومع ذلك، أظهر أبناء الشركة صموداً استثنائياً، حيث بذلوا جهوداً جبارة من مواقعهم المختلفة لحماية الثروة النفطية والحفاظ على الهيكل الأساسي للشركة وإمكاناتها.
وبعد تحرير الكويت، واصلت الشركة مقاومتها من خلال الاستجابة السريعة والفعالة للكارثة البيئية الكبرى التي أعقبت الغزو، عندما فجرت القوات العراقية المنسحبة 727 بئرًا نفطية في فبراير 1991. ما تسبب في إشعال أكبر حريق نفطي في التاريخ، وتطلب استنفاراً عالمياً شمل مشاركة 27 فريق إطفاء دولياً إلى جانب الفريق الكويتي، الذي كان له دور بارز في السيطرة على تلك الكارثة.
ورغم حجم الدمار الذي لحق بمنشآت الشركة، أثبتت «نفط الكويت» مجدداً كفاءتها وتميزها، حيث بدأت رحلة إعادة البناء فور التحرير، حين نجحت الشركة في إخماد جميع حرائق الآبار في غضون 240 يوماً فقط، وهو إنجاز مذهل أدهش العالم.
وفي 27 يوليو 1991، سجلت الشركة إنجازاً بارزاً بتصدير أول شحنة من النفط الخام بعد التحرير. تلا ذلك استئناف عمليات الحفر في حقل المقوع في 14 سبتمبر من العام نفسه.
وفي 6 نوفمبر 1991، شهدت الكويت يوماً تاريخياً عندما قام أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، بإطفاء آخر بئر نفطية مشتعلة، وهي بئر «برقان 18»، ليطوي بذلك صفحة مؤلمة في تاريخ الكويت ويفتح صفحة جديدة من الأمل والبناء.
ومنذ انطلاقها، وضعت «نفط الكويت» البيئة في صلب اهتماماتها، مدركةً التأثيرات التي قد تنجم عن أنشطة الحفر والاستكشاف والإنتاج. لهذا السبب، جعلت الالتزام بالمعايير البيئية جزءاً أساسياً من إستراتيجيتها، مع الحرص على إطلاق مبادرات بيئية مصاحبة لكل مشروع تنفذه.
ومن أبرز إنجازاتها البيئية إنشاء 7 محميات وواحات طبيعية بين عامي 2004 و2016، وهي جهود مستمرة تسعى الشركة من خلالها إلى تعزيز الاستدامة البيئية في الكويت.
كما أطلقت مبادرات عدة تجمع بين الأبعاد البيئية والاجتماعية، وتشكل مدينة الأحمدي نموذجاً حياً لهذه الجهود.
وفي 2005، خطت الشركة خطوة مميزة بإنشاء مستعمرة بحرية تُعد الأولى من نوعها في العالم بين شركات النفط. هذه المحمية البحرية الفريدة تعكس التزام «نفط الكويت» بتقديم حلول مبتكرة ومؤثرة للحفاظ على البيئة البحرية، ما يبرز مكانتها كرائدة عالمية في مجال المسؤولية البيئية.
ريادة إقليمية وعالمية
وعلى مر العقود، استطاعت «نفط الكويت» أن ترسخ مكانتها كأحد اللاعبين الأساسيين في السوق العالمي لتصدير النفط، وهو ما تجسد في العديد من المحافل البارزة.
ومن أبرز هذه المحطات الاحتفال الكبير الذي نظمته الشركة في ديسمبر 2009 بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسها، حيث أقيم هذا الحدث برعاية وحضور أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد، وولي عهده آنذاك الشيخ نواف الأحمد، طيب الله ثراهما، إلى جانب الرئيس التركي عبدالله غول، وعدد من كبار المسؤولين والضيوف.
وفي أكتوبر 2012، افتتحت الشركة «مركز الكويت للحقول الذكية المتكاملة»، برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء آنذاك المغفور له الشيخ جابر المبارك، وكبار المسؤولين بالدولة. يُعد هذا المركز خطوة رائدة أظهرت بوضوح رؤية الشركة المستقبلية، التي استشرفت التحول الرقمي مبكرا، ما عزز ريادتها في هذا المجال.
ولم تقتصر هذه الرؤية الطموحة على الرقمنة، بل امتدت لتشمل مجالات أخرى مثل الاستدامة والبيئة.
وعلى صعيد الاستدامة، قادت الشركة جهوداً كبيرة لخفض نسبة حرق الغاز في عملياتها، حيث نجحت خلال أكثر من عقد في تقليل تلك النسبة من 17 % إلى نحو 0.5 % فقط.
هذا الإنجاز النوعي عزّز مكانة الكويت في الشراكة الدولية لخفض حرق الغاز، التي يشرف عليها البنك الدولي، ومنح البلاد موقعاً ريادياً في هذا المجال على المستوى العالمي، وتُعد هذه النجاحات شاهداً حياً على التزام «نفط الكويت» بالمساهمة في تحقيق الاستدامة والابتكار، ما جعلها نموذجاً يُحتذى به في صناعة النفط والغاز.
تطور دائم
- في 17 أكتوبر 2016، افتتحت «نفط الكويت» معرض أحمد الجابر للنفط والغاز، الذي يُعد صرحاً حضارياً فريداً، يقدم تجربة تعليمية وتثقيفية رائدة تسلّط الضوء على صناعة النفط والغاز.
- في 26 أكتوبر 2016، دشنت الشركة مشروع«سدرة 500» للطاقة الشمسية في حقل أم قدير، لتوليد 10 ميغاوات من الكهرباء في خطوة مبتكرة تُعتبر الأولى من نوعها لشركة نفطية في المنطقة.
- في 2017، استكملت الشركة بنجاح العمليات الميدانية لمشروع المسح الاستكشافي الزلزالي ثلاثي الأبعاد في جون الكويت والمناطق المحيطة به، قبل الموعد المحدد بشهرين. وغطى المشروع، الذي استغرق نحو سنتين، مساحة 3300 كيلومتر مربع، ما يمثل 19 % من إجمالي مساحة دولة الكويت.
- في 2018، حققت الشركة إنجازاً مفصلياً آخر باحتفالها بتصدير أول شحنة من النفط الخفيف. وهذا المنتج الجديد فتح آفاقاً أوسع للنفط الكويتي، حيث مكّن البلاد من دخول أسواق عالمية جديدة، ما يعزز مكانة الكويت كلاعب رئيسي في أسواق الطاقة الدولية.
وتؤكد هذه الإنجازات التزام شركة نفط الكويت بتبني الابتكار والتطوير المستدام، وتعكس رؤيتها الطموحة لمستقبل مزدهر للصناعة النفطية.
«النوخذة».... إنجاز إستراتيجي
شكل 2019 نقطة تحول، حين وقّعت الشركة عقداً مع شركة هاليبرتون، لتنفيذ مشروع الحفر والاستكشاف البحري، معلنة بذلك انطلاق مرحلة جديدة في تاريخها.
وبدأ المشروع عمليات التنقيب عن النفط في المناطق البحرية ضمن الحدود الكويتية، وحقق أولى إنجازاته هذا العام باكتشاف نفطي جديد بعد 5 سنوات من العمل المستمر حيث تم اكتشاف أول مورد نفطي في مشروع الحفر الاستكشافي البحري، في حقل البحري.
وتشير التقديرات إلى أن «النوخذة» يحتوي على موارد هيدروكربونية تصل إلى 2.1 مليار برميل من النفط الخفيف، و5.1 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز، ما يمثل إنجازاً إستراتيجياً مهماً يعزّز مكانة الكويت في قطاع الطاقة العالمي.
مشروع النفط الثقيل
في 2020، أحرزت الشركة تقدماً نوعياً آخر بإطلاق الإنتاج في مشروع النفط الثقيل بحقل جنوب الرتقة شمال الكويت.
ويُعد المشروع الأضخم في تاريخ البلاد وأحد أكبر المشاريع في منطقة الشرق الأوسط، ونجحت الشركة في تصدير أول شحنة من النفط الثقيل إلى الأسواق العالمية، متحدية الظروف الصعبة التي فرضها انتشار جائحة «كورونا».
تعكس هذه الإنجازات التزام «نفط الكويت» بتوسيع آفاقها واستثمار الفرص الجديدة لتحقيق النمو المستدام وتعزيز مكانة الكويت في قطاع الطاقة العالمي.
ممشى الأحمدي البيئي
في 2022، أطلقت «نفط الكويت» ممشى الأحمدي البيئي، وهو أحد المشاريع الرائدة التي تهدف إلى توفير بيئة نظيفة وصحية لممارسة رياضة المشي وغيرها من الأنشطة.
مركز الحبارى للابتكار
افتتحت الشركة مركز الحبارى للابتكار في مدينة الأحمدي، وهو مشروع مشترك مع مركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع. يُعد المركز الأول من نوعه في القطاع النفطي، ويهدف إلى دعم الرؤية الإستراتيجية لمؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة، من خلال إعداد جيل واعٍ ومبتكر، وتمكين الشباب الموهوبين من تحقيق تطلعاتهم التقنية والابتكارية.
خارطة طريق طموحة
احتفلت الشركة بوصول إنتاج منطقة شمال الكويت إلى 600 ألف برميل يومياً، وأطلقت خارطة طريق طموحة تهدف إلى رفع الإنتاج إلى 800 ألف برميل يومياً بحلول 2026.
ودشنت الشركة إستراتيجية التحول الرقمي خلال مؤتمر ومعرض «مجرة البيانات الضخمة»، ما يعكس التزامها بمواكبة أحدث التقنيات في صناعة النفط والغاز.
إستراتيجية 2040 وإعادة هيكلة
وتعمل الشركة حالياً على تنفيذ إستراتيجيتها لعام 2040، التي تركز على تعزيز الكفاءة والإنتاجية، إلى جانب إستراتيجية التحول في الطاقة لعام 2050، التي تهدف إلى تحقيق معدل صفر من الانبعاثات الكربونية.
واستكملت الشركة أخيراً عملية الهيكلة الداخلية التي تساعدها على مواجهة التحديات المستقبلية والتطورات العالمية.