في الأول من يناير 2024، كانت عملة البيتكوين تُتداول عند مستوى متواضع لا يتجاوز 43607 دولارات، في حين أنها قفزت أخيراً إلى أعلى مستوى تاريخي لها عند 102053 دولاراً، ما يعني أن هذه العملة المشفرة تمرّ في لحظة محورية في تاريخها، مع تضاعف قيمتها السوقية الإجمالية إلى 3.8 تريليون دولار وفقاً لبيانات «CoinGecko».

وما يزيد الزخم وراء هذا الصعود الصاروخي هو نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة، حيث إن فوز دونالد ترامب برئاسة البلاد أطلق موجة تفاؤل غير مسبوقة في أوساط المستثمرين، خصوصاً بعد أن روّج خلال حملته لسياسات أكثر دعماً للعملات الرقمية. وبدت هذه الوعود أكثر واقعية مع إعلان فريقه الانتقالي عن خطط لمناقشة استحداث منصب جديد في البيت الأبيض مخصّص لشؤون العملات المشفّرة.

ومن بين أبرز المتغيّرات، إعلان جاري جينسلر، رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، استقالته الوشيكة بعد أن قاد حملة صارمة ضد العملات المشفرة، حيث إن تنحيه المتوقع في 20 يناير المقبل أشاع تفاؤلاً كبيراً في أوساط المستثمرين، الذين يرون في ذلك فرصة لإعادة رسم اللوائح بما يخدم الصناعة. كما أن ترامب أعلن أخيراً اختياره أحد أبرز المدافعين عن العملات الرقمية لرئاسة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركي وهو بول أتكينز، المفوض السابق لهيئة الأوراق المالية والبورصات خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش.

ورغم المكاسب الهائلة، يظهر تاريخ العملات المشفرة بأنها محفوفة بالتقلبات. فقد شهدت «البيتكوين» ارتفاعات وانخفاضات حادة منذ انطلاقها، حيث تراجعت قيمتها في بداية جائحة كوفيد-19، إلى ما يزيد قليلاً على 5 آلاف دولار، قبل أن تصل إلى 69 ألف دولار في نوفمبر 2021، ولكن مع تشديد السياسة النقدية من الاحتياطي الفيدرالي وانهيار بورصة «إف تي إكس»، هوت الأسعار إلى ما دون 17 ألف دولار.

وحملت الأشهر السابقة للانتخابات الأميركية إشارات انتعاش ملحوظة، بفضل إطلاق صناديق استثمار متداولة في البيتكوين وافقت عليها الجهات التنظيمية في يناير، ما أضاف شرعية وجاذبية جديدة لهذه الأصول.

ومع ارتفاع العملة المشفرة إلى مستويات تاريخية تتزايد التوقعات بشأن مستقبلها، حيث يرى المحللون أن هذا المستوى ليس نهاية الطريق، بل بداية لارتفاعات أكبر مع التوسّع في التبني المؤسسي والسياسات الصديقة المتوقعة.

ووصف المدير التنفيذي لشركة «جلاكسي ديجيتال» مايك نوفوجراتز، حاجز 100 ألف دولار بأنه كان «مجرد البداية»، متوقعاً ارتفاعاً مطرداً بدعم من حكومة ترامب الجديدة، التي اعتبرها مؤيدة للعملات الرقمية.

وبحسب مايكل سايلور، مؤسس «مايكروستراتيجي»، فإن «البيتكوين» ستظل فوق مستويات 60 ألف دولار على الأقل في المدى القريب.

لكن، لا يخلو المشهد من التحذيرات، إذ يشير خبراء مثل ثيميس ثيميستوكليوس من «يو بي إس» إلى أن «البيتكوين» تظل أصلاً عالي التقلب وغير قابل للتقدير الدقيق، مشدداً على أهمية تنويع المحافظ الاستثمارية بأدوات أكثر استقراراً مثل الذهب.

ورغم هذه التحفظات، يبقى التفاؤل مستمراً، حيث إن مؤسسات بحثية مثل «بيرنشتاين ريسيرش» تتوقع أن تصل «البيتكوين» إلى 200 ألف دولار بحلول 2025. ومع ذلك، يدعو تاريخ العملة المليء بالتقلبات الحادة إلى الحذر.

دول كبرى

ستنشئ احتياطياً

من «البيتكوين»

في خضم القفزات المتسارعة التي تشهدها العملات المشفرة، بدأت دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل وبولندا وروسيا، تفكر في إنشاء احتياطي وطني من عملة «بيتكوين».

وكان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وحلفاؤه أعلنوا دعمهم بشكل متكرر لمشروع قانون يهدف إلى تزويد الاحتياطي الفيدرالي بعملة «بيتكوين» كأصل استراتيجي، ومن المتوقع أن تتاح لهم الفرصة قريباً لجعل ذلك حقيقة.

وفي الربيع الماضي، قدمت السيناتور سينثيا لوميس من ولاية وايومنغ مشروع قانون أطلقت عليه «قانون بيتكوين»، يدعو الولايات المتحدة إلى شراء ما يصل إلى 200,000 «بيتكوين» سنوياً على مدى 5 سنوات، أي ما يعادل 5 % من إجمالي المعروض من العملة، بحسب ما نشره موقع «Decrypt».

وفي البرازيل، طرحت الحكومة مشروع قانون يسمح بإنشاء احتياطي وطني من «بيتكوين»، ويقترح القانون أن يمثل حوالي 5% من احتياطيات البرازيل الدولية، ويهدف إلى تنويع أصول وزارة الخزانة البرازيلية، في حين دعا المرشح الرئاسي البولندي سوافومير مينتزين إلى إنشاء احتياطي استراتيجي من بيتكوين، إلى جانب تمرير قوانين ولوائح تدعم العملات الرقمية في البلاد.

وفي روسيا، اقترح عدة مشرعين روس هذا الشهر إنشاء مخزون من العملات المشفرة في «خزانة الدولة».