في قلب الصراع العربي- الإسلامي مع الكيان الصهيوني تبرز المسألة الطائفية لتخلط الأوراق وتمزّق الصفوف، فضلاً عن تبادل الاتهامات.
لقد تجلّت هذه المسألة بعد سقوط النظام السوري بشكل واضح تصريحاً وتلميحاً في الوسائط الإعلامية. في هذا البحر من الجدل الطائفي السفسطائي القائم على الوهم التاريخي، تبقى الحقائق في الواقع دون تمعن عقلاني! الحقيقة هي أن النظام السياسي الذي يحكمه بشار الأسد لم يسقط فحسب بل الذي سقط أيضاً حوالي 240 ألف كيلو متر مربع، ممتدة من الجولان إلى جبل الشيخ عبوراً بمدينة القنيطرة بعدما استولت عليها إسرائيل، وسقطت أيضاً أراضي سورية في الشمال الشرقي الممتلئة بالنفط مثل السويدية ورميلان والعمر، علاوة على الكثير من الحقول النفطية في الحسكة ودير الزور. كل تلك الحقول تسيطر عليها القوات الكردية (قوات سورية الديمقراطية، قسد) والتي تحظى بالدعم والحماية الأميركية وحيث يباع برميل النفط من قبل هذه القوات بحوالي 30 دولاراً لصالح دول وشركات إقليمية وعالمية ليذهب ريعها الزهيد إلى جيوب تلك القوات الكردية وتجار الحرب.
مع سقوط النظام السوري سقطت أيضاً بعض مناطقه الإستراتيجية وثرواته الزراعية والمائية، كما قام الكيان الصهيوني بتدمير ترسانة سورية العسكرية الثقيلة من طائرات ومخازن ذخيرة صواريخ ورادارات ودبابات وثكنات عسكرية وقوات بحرية كلها ملك الشعب السوري. ومع اختفاء النظام توارت العملات الصعبة والمخزون الذهب المملوك للدولة السورية وشعبها إلى «جهات غير معلومة». وبالإضافة إلى ما سبق، تم تدمير بعض منشآت سورية البحثية واغتيال الكثير من العلماء النادرين خلال بضعة أيام، ناهيك عن تدمير ونهب الآثار التاريخية المهمة في سورية حيث يكون تراثها وتاريخها.
لم يسقط النظام السوري فقط، بل سقطت كل تلك المقدرات التي هي ملك للشعب السوري والدولة السورية، وكل تلك الخسائر تحولت في الحقيقة إلى مكاسب وأرباح للكيان الصهيوني، ولكن مع الأسف يضيق الأفق بالبعض لكي ينظر إلى زاوية واحدة فقط وهي سقوط النظام أو بقاء النظام استناداً إلى منظور طائفي سطحي سخيف.
إنّ النظرة الطائفية لمجريات العلاقات السياسية الدولية مهلكة ومدمرة! لقد صوّر صدام حسين حربه مع إيران على أنها قادسية العرب ضد الفرس وأخذ البعض يصفق لشعاراته وما هي إلا فترة وجيزة بعد الانتهاء من حربه أخذ قراره بتوجيه سلاحه ضد الكويت وقيادتها وشعبها فذهبت تلك الشعارات الفتنوية هباءً منثوراً لنجد حقيقة واحدة ماثلة أمامنا وهي أن المستهدف هو الكويت والكويتيون بكل مشاربهم وأطيافهم... إنه درس يجب ألا ننساه!
في عالم الواقع والحقائق أن الرابح الأول والأخير من تأجيج المسألة الطائفية هو ذلك الكيان الصهيوني. وفي عالم الواقع والحقائق أيضاً لم يربح أي من أطراف المعادلة الطائفية بل الجميع مُني بخسارة في الأرواح والأموال والمستقبل.
الإشكالية الصهيونية تتمثل في استمرار العربدة والقتل الجماعي في غزة التي يبدو أن الاغلب في أطراف المعادلة الطائفية قد انشغل عنها وباتوا يحاربون في سورية وقد يمضون في حروبهم إلى العراق.
لقد سجّل التاريخ كيف تم انشغال أمراء الأندلس في ما بينهم وتركوا أو تحالفوا مع القوى الأوروبية حتى خسروا كل شيء... وإذا استمر حالنا في أتون الاحتراب ضمن المسألة الطائفية فسيسجل التاريخ كيف نحن وكيف استفحلت الإشكالية الصهيونية ولا ينفع بعدها مالٌ ولا بنون.