آخر فصول السلطة الأسدية الإرهابية التي حكمت الشعب السوري على مدى نصف قرن قمعاً وقتلاً وتشريداً، وتخلّفاً، كان فرارها من سورية إلى أحضان روسيا شريكتها في سحق الشعب السوري منذ انتفاضته السلمية الإصلاحية في 2011.

كان الهروب أمراً لا بدّ منه لسلطة لم تحترم إرادة شعبها، ولم تعمل على خدمته والنهوض به، وتوفير سبل الحياة الكريمة له، بل كان جلّ همها البقاء في السلطة وبأي ثمن. أول انكشاف لعدائية هذه السلطة للشعب السوري كان في ارتكابها مجزرة حماة في 1982، حيث قتلت بأمر رئيسها الطاغية البائد حافظ الأسد، ما يربو على أربعين ألفاً من سكان المدينة بسلاح الطيران والمدفعية، والإجهاز على من تبقى منهم أحياءً تحت الأنقاض بمن فيهم الأطفال والنساء. كانت جريمة مروّعة، لا تختلف عن جريمة حرب الإبادة التي ينفذها الإرهابي نتنياهو، في غزة المحاصرة.

مرّت تلك المجزرة مرور الكرام، ولم يولها المجتمع الدولي المعجب بعلمانية الطاغية، أيّ اهتمام.

وقد كان ذلك الموقف الدولي المتخاذل عاملاً مشجعاً لتلك السلطة على المضي بممارسة عقاب التنكيل بالشعب السوري بافتتاح «سجن صيدنايا» الرهيب 1987، بعد المذبحة، لردع أي محاولة انتقام يفكر فيها الشعب، حيث مارس نظام الطاغية الأسدي فيه كل وسائل التعذيب النفسي والجسدي لآلاف السجناء المعارضين من المدنيين والعسكريين والساسة، الذين قضى الكثيرون منهم نحبهم في السجن تحت التعذيب، أو تنفيذ الإعدامات السريعة، وما تبقى منهم حياً فهو إما معاق ذهنياً أو جسدياً، أو بلغ سن الشيخوخة، كتلك العجوز التي أخرجت من السجن بعد سقوط النظام وقد بلغت 85 عاماً، وهي تعاني أزمة نفسية حادة، وقد أودعت السجن لانتقادها النظام عندما كانت شابة تعمل صيدلانية في دمشق في العام 1983.

والأمثلة كثيرة لا تحصى لمن عانوا الأهوال في هذا السجن على أيدي سجانيه الجزّارين. حتى الباحث الفرنسي ميشيل سورا، لم يسلم على حياته، وتمت تصفيته بأمر من الطاغية حافظ في لبنان في 1986، بعد أن فضح وحشية الطاغية في كتابه «سورية الدولة المتوحشة».

تفاقم أزمة النظام الأسدي مع الشعب السوري بعد انتفاضته في 2011، دفعت رأس النظام بشار، إلى الاستعانة بقوى خارجية تعينه على البقاء في السلطة، مثل روسيا الحليف القديم، والنظام الإيراني، في قمع انتفاضة الشعب السوري، حيث تباهى بنشوة الانتصار، ليصبح شعار النظام «الأسد للأبد»، بعد قتل وتشريد الملايين من الشعب السوري، وتدمير مدنه، فالمهم بالنسبة إليه هو بقاء الأسد ولتذهب الدولة والشعب إلى الجحيم.

كان لابد لتركيا أن تتحرّك أمام تخاذل المجتمع الدولي بعد 13 عاماً من الانتفاضة السورية، وتدعم الثوار السوريين في عملية إسقاط النظام الأسدي، إذ لا يمكن مكافأته في فرض الأمر الواقع على تركيا وتحميلها مسؤولية قبول 4 ملايين لاجئ سوري لا يريد النظام إعادتهم، وكأنه ينوي تغيير التركيبة الديموغرافية والثقافية للشعب السوري بالتعاون مع النظام الإيراني وعلى حساب الجارة تركيا.

هنا يبدو النظام الأسدي وهو يتصرّف كعصابة وليس كسلطة مسؤولة تجاه شعبها. لا يستثنى من ذلك النظام الإيراني الذي ذهب بعيداً في طموحاته التوسعية في منطقتنا العربية. ولهذا كان انهيار النظام الأسدي بهذه السرعة مفاجئاً للجميع، مع انهيار طموحات حليفه الإيراني، وهذا أمر طبيعي، يحدث مع كل نظام طاغية هدفه البقاء في السلطة وعلى حساب شعبه.