18 دولاراً، الفرق في سعر برميل النفط عن الـ90 دولاراً الذي تصبو إليه الكويت في ميزانياتها العامة، وذلك بسبب السعر الحالي للبرميل عالمياً، وبالأخص مؤشر برنت، لايزال عند مستوى 72 دولاراً فقط. هذا الفارق الكبير يجعل من المستحيل على الكويت تحقيق ميزانية متوازنة في ظل الظروف الراهنة. ومع استمرار تراجع الأسعار، يتوقع أن تواجه البلاد عجزاً مالياً سنوياً متكرراً، ما يُحتم ضرورة إيجاد حلول جذرية ومستدامة.
ويكمن السبب الرئيسي وراء هذا الانخفاض في أسعار النفط أنه يعود إلى ضعف الطلب العالمي عليه، بالإضافة إلى غياب مؤشرات قوية على النمو الاقتصادي العالمي.
الصين، التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأحد أهم المستهلكين للطاقة، تُظهر أداءً اقتصادياً راكداً، حيث إن نموها واستهلاكها المحلي مازالا دون التوقعات. وفي ظل غياب مساهمة الصين كقوة دافعة في أسواق النفط، يبقى الاقتصاد الأميركي المحرك الوحيد لنمو الاقتصاد العالمي، لكن حتى الاقتصاد الأميركي يواجه تحديات معقدة، خصوصاً مع احتمالية فرض الإدارة الأميركية المقبلة لضرائب جديدة أو دخولها في صراعات اقتصادية مع الصين، ما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم.
هذا الوضع يخلق حالة من القلق والترقب في الأسواق العالمية، حيث يخشى المستثمرون من حدوث ركود اقتصادي عالمي، أضف إلى ذلك تصاعد الأزمات الجيوسياسية، سواء بسبب النزاعات المحتملة في أوروبا أو زيادة التوترات العسكرية التي قد تتسبب في اندلاع صراعات إقليمية أو حتى عالمية.
العوامل مجتمعة تلك، تُلقي بثقلها على أسواق النفط، ما يساهم في إبقاء الأسعار دون المستويات المطلوبة لتحقيق التوازن المالي للدول المنتجة.
وفي حال استمرت أسعار النفط عند مستواها الحالي، أي 72 دولاراً للبرميل، حتى نهاية شهر مارس 2025، فمن المتوقع أن تسجل الكويت عجزاً مالياً يصل إلى نحو 3 مليارات دينار كويتي. وهذا العجز السنوي المتكرر أصبح جزءاً من الواقع المالي للكويت، دون وجود بدائل حقيقية لتعويض الإيرادات النفطية. إن هذا الوضع يستدعي ضرورة البحث عن وسائل مبتكرة لسد العجز المالي، عبر زيادة الإيرادات غير النفطية.
الأمر يتعقد أكثر في ظل الواقع الحالي للأسواق النفطية، حيث تعاني هذه الأسواق من فائض كبير في المعروض النفطي.
منظمة أوبك، على سبيل المثال، تحتفظ بنحو 6 ملايين برميل يومياً خارج السوق، في محاولة لتجنب زيادة الفائض ودعم الأسعار، ومع ذلك، فإن سياسات أوبك تواجه تحديات كبيرة، خصوصاً مع استفادة المنافسين من قيود المنظمة لزيادة إنتاجهم، كما أن الإدارة الأميركية المقبلة قد تضغط بقوة لزيادة الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة، ما سيزيد من المعروض العالمي ويضغط على الأسعار أكثر.
وبناء على هذا المشهد المعقد، يتعين على الكويت اتخاذ خطوات إستراتيجية للتعامل مع العجز المالي المتوقع والتحديات المرتبطة بالنفط، ومن أبرز هذه الخطوات تطوير الحقول النفطية المكتشفة حديثاً، مثل حقول فيلكا، وتسريع عمليات الإنتاج من خلال جذب استثمارات أجنبية وشراكات مع شركات نفطية دولية. ومن شأن ذلك، أن يساهم في زيادة الإنتاج بوتيرة أسرع وتعزيز مكانة الكويت بين دول الخليج والدول الأعضاء في منظمة أوبك.
باختصار، الوضع الحالي يتطلب استجابة شاملة تتضمن تطوير موارد الطاقة المكتشفة، وتحسين إدارة الموارد المالية، كما يتوجب التركيز على إيجاد مصادر جديدة للإيرادات غير النفطية لتقليل الاعتماد على تقلبات الأسواق العالمية، وضمان استقرار الاقتصاد الوطني في المستقبل.