كان يُقال عنها حضارات وقصص قديمة وبقايا دليل، واليوم دول، وضعت الحدود بقرارات بشرية بعد دراسات عدة، رفعت الأعلام وملأت خطوطها الألوان، استُكشفت الثروات فطمع الإنسان، وقامت الحروب فشُرّد البشر، وبقيت الصراعات على تلك الأراضي، وقد تبقى لسنين طويلة، فيموت ناس ويولد ناس وتبقى رغبات الأموات باقية حية.

السفر للطبيعة، من أجمل الرحلات التي يقوم بها الإنسان بحثاً عن الراحة النفسية والجسدية. يسير مجموعة من الأفراد يقودهم رجل يلبس «الكبوس»، إنهم يسيرون على أرض خضراء مليئة بالعشب الأخضر المزين بالورود المنتشرة على مساحة كبيرة جداً، ومن بعيد حيث الجبال الشاهقة العظيمة، تصطدم بها الرياح من جوانب عدة، جداول الماء تهبط من أعالي الجبال بأريحية عابرة مجموعة صخرية مليئة بالمعادن. توقف أفراد المجموعة كي يأخذوا صوراً لهذا المنظر، ويبقوا لفترة من الزمن قبل أن يغادروا إلى مكان آخر.

في طريق جدول الماء كان يسير رجل من الفريق متتبعاً جريان الماء، فلمح حطام خشب متفرقاً، فسار يتبعه، ابتعد عن الجدول المائي قرابة العشرين متراً، توقف عند هيكل خشبي متهالك، كان يبدو أنه مبنى قديم، هل كان بيتاً؟ ربما كان محل بقالة، لا يهم... هذا المكان يوماً ما كان مبنى له باب ونوافذ، وتوقف رجل أو امرأة ربما، توقف برهة عن الخيال ثم عاد، ربما كانت هناك مبانٍ كثيرة مجاورة له، كانت تعيش قرية بجانب جدول الماء، لم يكن هنالك سيارات، فكانت البهائم تقوم بدورها في نقل البشر والبضائع، بالتأكيد لقد ولد شخص هنا، ربما ترعرع حتى بلغ وكوَّن أسرة كبيرة، هل مات هنا؟

ذهب الرجل يبحث عن آثار أخرى للمبنى، ربما إذا حفر في هذه المنطقة فسيحصل على كنز مليء بالذهب دفنته إحدى العائلات التي عاشت هنا، إنه يتخيل أصوات الناس المتزاحمة وكأنه في سوق، انتابه الحزن قليلاً، فقد هجرت الروح هذا المكان إلى الأبد، وأصبح دليله الحطام والعشب الأخضر الذي نبت على الخشب القديم، واعتقد لو كانت هنالك قواقع فلن تمانع بأن تلتصق بالخشب لتسكنه. ضحك الرجل عندما وصل عقله إلى هذا الحد فتوقف قليلاً ينظر لأفراد المجموعة الذين انتهوا من أخذ الصور وبدأوا بالتجمع من جديد.

جاء المسؤول السياحي إليه يدعوه للعودة إلى المجموعة، اقترب منه حتى توقف، وأخذ ينظر إلى الخشب المتهالك قائلاً: مؤسف عندما يبني شخص ما كوخاً خشبياً في هذا المكان ولا يسكنه.