هل جرّبت ترك الهاتف والنظر في برامج التواصل الاجتماعي لفترة من الزمن أو لأوقات محدودة، وهذا الأمر سيجعلك تشعر بمن حولك، وستقضي وقتاً أطول مع أطفالك، مع أمك وأبيك، وستشعر بطعم آخر للحياة يتسلّل إلى أعماقك، وما هي فائدة الجلوس مع الأسرة أو الأصدقاء إذا كان الكل مشغولاً ببرامج التواصل الاجتماعي والنظر للهاتف بشكل متكرّر والتي أفقدتنا الشعور باللحظة وأهدرت أعمارنا دون أن نحس؟

إنّ أكثر الناس في العصر أصبحوا مدمنين لهذه الهواتف الحديثة، وقد تصيب من يستخدمها بأضرار في المستقبل في الرقبة والظهر خاصة، وقد تؤدي للسمنة، ويقول الدكتور المتخصص وليد فتيحي: «ومن المحزن في عالمنا العربي أن استخدام التكنولوجيا في منطقتنا يضاهي الغرب لكن فقط في وسائل التسلية والمتعة، أما في المؤسسات التعليمية فإنه يستخدم فقط بنسبة 3 في المئة، بينما يستخدم بمعدل 16 في المئة في دول العالم الأخرى، وهناك نوع جديد من الإدمان في عصرنا الذي يحق أن يكون شعاره (أنا أتسوق فأنا موجود)».

وأُجري الكثير من الدراسات التي اتفقت على أن عدد الساعات التي يقضيها الإنسان الفرد في تصفح وسائط «التواصل الاجتماعي» يزداد بصورة غير مسبوقة، وأنه لا يقل عن 6 ساعات يومياً، وفي بعض الأحيان، فإن هذا الوقت يزيد على ذلك!، ولا شك أن هذا الرقم كبير جداً.

وأعلنت دار نشر جامعة أكسفورد، أنه تم اختيار مصطلح «تعفن الدماغ» كلمة العام، أي أنه الأكثر تداولاً وشهرة في العام 2024، وبذلك بعد أن زاد معدل استخدامها بنسبة 230 % عن العام السابق، وتم اختيار مصطلح «تعفن الدماغ» بعد عمل تصويت عام وتحليل اللغة من قبل مؤلفي المعاجم في أكسفورد، وقد تفوق على 5 مصطلحات أخرى وهي: الرصانة والرتابة والتسعير الديناميكي والرومانسية والتراث.

وتُعرف أكسفورد تعفن الدماغ بأنه التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص، خصوصاً نتيجة للإفراط في استهلاك المواد التي تعتبر تافهة أو غير صعبة، بينما أوضح رئيس جامعة أكسفورد للغات كاسبر جراثوول، أن مصطلح «تعفن الدماغ» بالمعنى الحديث يشير إلى أحد المخاطر الملموسة للحياة الافتراضية، وكيفية استخدامنا لأوقات فراغنا.

وذكرت الدكتورة إيلينا توروني، استشارية علم النفس لموقع «بريكينغ نيوز» الأيرلندي: «تعفن الدماغ مصطلح يستخدمه الناس لوصف ذلك الشعور الضبابي الذي ينتابك عندما تستهلك كثيراً من المحتوى المكرَّر منخفض الجودة»، وقالت «إنه ذلك الشعور بالاستنزاف العقلي أو البلادة الذهنية الذي يحدث بعد ساعات من تصفّح وسائل التواصل الاجتماعي، أو مشاهدة البرامج، أو الانخراط في مواد لا تحفّز عقلك».

أما «الجمعية الأميركية للطب النفسي» فقد اعتمدت «الإدمان على الإنترنت» ضمن عناصر الإدمان الأخرى، وعرفته بوصفه «اضطراباً يُظهر حاجة سيكولوجية قسرية نتيجة عدم الإشباع من استخدام الإنترنت»، وأوضحت أن المُصاب بهذا الاضطراب يعاني أعراضاً عدة تتشابه، في خصائصها وعلاماتها الإكلينيكية وآثارها النفسية، مع حالات الإدمان التي تسببها المواد الأخرى المُتعارف عليها في هذا الإطار؛ مثل المُخدرات والكحول.

إذاً، كيف نتجنّب الإدمان على برامج التواصل الاجتماعي؟

مهم تحديد أوقات معيّنة لاستخدام الهاتف، وعدم الانشغال فيه طوال الوقت واليوم، لو كنت في العمل والوظيفة لا تتصفح برامج التواصل ولكن انشغل بالعمل، وكذلك لو كنت في البيت أو الديوانية ولا تجعل الهاتف يسرق منك الحديث مع أحبابك وأصدقائك، وكذلك محاولة استبدال التصفح بقراءة الكتب أو ممارسة أنشطة أخرى، والتخطيط المسبق لاستخدام البرامج وتحديد بعض المواضيع التي منها فائدة تراكمية.