من يعتقد بأن سقوط النظام السوري بهذه الصورة الدراماتيكية هو لأن المعارضة السورية المسلحة كان لها الغلبة ونجت في ذلك، فهو بالتأكيد مخطئ، كما كان على خطأ من يعتقد بأن الجيش السوري قد استطاع التغلب على المعارضة في السابق بسبب قوته!

الحقيقة هي أن المربع السوري مزدحم بقوى محلية وإقليمية ودولية متعارضة ومتداخلة المصالح ومتباينة الأوجه والأهداف. ففي سورية هناك قوى النظام المتمثل بالجيش، وفي مقابله قوى مدنية وإسلامية وعلمانية، منها من هو سوري قلباً وقالباً ومنها من هو سوري في القلب أو في القالب فقط.

دول إقليمية متاخمة لسورية أو في محيطها الإقليمي مثل العراق والأردن وتركيا واسرائيل وايران وبعض الدول العربية أيضاً تؤثر وتتأثر ولها نفوذ في الملعب السوري. هذه الدول لها أتباعها وتياراتها وأجنداتها المتعارضة أو المتداخلة مع بعضها البعض لتشكل تعقيداً على الموزاييك السوري الداخلي. وعلى المستوى العالمي هناك أيضا كل من روسيا والصين وأميركا وفرنسا وإنكلترا ممن لها اليد الطولى في المساحة السياسية السورية وهو ما يجعل الوضع شبيهاً بالفسيفساء الدمشقية التي تشتهر بها السكاكين الفولاذية.

سكاكين دمشق قد أشتهرت بقوّتها الفولاذية ذات الشفرات الحادة، وقد تكون كذلك دمشق بعد مرحلة سقوط نظام الأسد. إذا كان الصعب قد تمثّل في إسقاط النظام السوري، فإن الأصعب سيكون في المرحلة المقبلة. فمن حيث الفصائل العسكرية، فهناك الجيش الوطني السوري المؤيد من تركيا، وهيئة تحرير الشام وهي جبهة النصرة سابقاً المنبثقة من تنظيم داعش، كما أن هناك فيلق الشام، وجيش الأحرار، وحركة أحرار الشام، وجيش العزة، والجبهة الشامية، وحركة نور الدين زنكي وجبهة الوطنية للتحرير. وفي الوقت ذاته، هناك أكثر من عشرين تجمعاً وائتلافاً سياسياً يتبرعم منها تيارات عديدة، منها ما هو علماني وإثني وإسلامي. كل تلك الفصائل والتيارات تتبارى في ما بينها في مزايدات سياسية؛ لكي تحظى بحصةٍ من نظام الأسد!

لا شك، أن لكل من تلك القوى مؤيدين ومعارضين في المحيطين الإقليمي والعالمي، ولذلك فمن المتوقع أن تتدفّق التدخلات بأشكالها السياسية والمالية واللوجستية كافة إلى هذه الفصائل والتيارات مما يجعل التنسيق في ما بينها صعباً جداً، نظراً لما يُسمى بنزاع «الأجندات»، حيث ستكون أقرب للمشهد الليبي، والتي سيدفع ثمنه باهظاً الشعب السوري في حال عدم تسويتها تحت مظلة دستورية يجتمع تحتها كل الأطياف الاجتماعية والسياسية الوطنية في سورية.

ومما لا شك فيه، أن لسقوط النظام السوري تداعيات كبيرة على المنطقة، تكبر وتصغر اعتماداً على مدى نطاقها الجغرافي. إذا بقيت هذه النزاعات في حيز الأراضي السورية لربما يكون الوضع أقل تأثيراً على منطقة الخليج، أما إذا تعدّت الحدود وعبرتها، خاصة إلى الجانب العراقي، فذلك قد يمتد بخطورته وخيوطه إلى محيط الدول الخليجية. لذلك، فما يجري في سورية خلال المرحلة المقبلة مهم جداً من حيث طبيعته (مستقر أم صراع) وفي الوقت نفسه، من حيث الطرف أو التيار الذي سيقود المشهد هناك!

إذا حاولت التيارات التي ترفع شعارات إسلامية السيطرة السياسية فهناك احتمال كبير بأن الفوضى السياسية ستكون عنوان مرحلة طويلة في هذا البلد. ففي ضوء المرحلة السابقة وتحديداً بعد مرحلة ما أطلق عليه بالربيع العربي كان للأحزاب والتيارات تجربة سيئة جداً، وقد تجلى ذلك في كلٍّ من ليبيا والعراق والسودان وأفغانستان واليمن، ولن تكون سورية استثناءً من ذلك.

نأمل بأن تنتقل سورية إلى مرحلة جديدة معقودة بالتفاهمات لبناء وطنٍ يجمع أطيافه كافة، ويجتمع على مصلحة سورية الوطن دون أن ينغمس في أجندات الدول الأخرى أو في سياق مشروع شرق أوسط جديد وفق ما يراه عدو الإنسانية نتنياهو.