في أقسى ضربة يتلقاها منذ سنوات طويلة، خسر النظام السوري مدينة حماة الإستراتيجية في وسط سورية، رابع مدن البلاد، بعد أيام من خسارته مدينة حلب، ثاني مدن البلاد والعاصمة الاقتصادية، في الهجوم الكاسح للمعارضة التي نجحت بتحقيق مكاسب هائلة وبوقت قياسي.
ومع تساقط البلدات في الأرياف ومحيط المدن بيد المعارضة واحدة تلو الأخرى، برزت تساؤلات عن القدرات الحقيقية لقوات النظام من دون حلفائه، الذين يخوض كل منهم حرباً مختلفة في مكان آخر: روسيا في أوكرانيا، و«حزب الله» في لبنان، وإيران مُحاصرة بالضغوط الاقتصادية والميدانية وتسعى جاهدة لمنع سقوط وكلائها في المنطقة، وتتحسب ليوم 20 يناير 2025 عندما يصبح الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض.
وبعد إحكام سيطرتها الكاملة على إدلب وحلب وحماة، تتجه فصائل المعارضة لإكمال الهجوم نحو حمص وأريافها، ما يفتح لها الباب باتجاه دمشق والساحل ومناطق الحدود اللبنانية.
وإذا كان سقوط حماة شكّل ضربة في خاصرة النظام، باعتبارها عقدة الوصل بين المحافظات، فإنّ السيطرة المحتملة للمعارضة على حمص ستشكّل ضربة لعموده الفقري، على اعتبار أنها الشريان الواصل بين العاصمة والساحل، ومختلف المناطق في ما يُعرف بـ«سورية المفيدة» التي تمتد إلى البادية والحدود مع العراق شرقاً.
وأمام ضعف نظام الأسد، ظهر الرجل الأقوى حالياً في المعارضة، وربما في سورية، أبو محمد الجولاني الذي يقود نظرياً «هيئة تحرير الشام» وعملياً فصائل المعارضة كافة، بمظهر جديد شكلاً ومضموناً، فهو لم يعد ذاك الرجل الملثم الذي يخاطب الناس بوجه مخفي وبعبارات فصيحة، وإنما بات يلبس ثياباً عسكرية عادية ويجول بين الناس ويظهر في غرف ويحمل هاتفاً ويشاهد مقاطع فيديو ويُعلّق عليها.
هكذا، يحاول الجولاني تقديم نفسه كزعيم للمعارضة، جدير بتولي القيادة العسكرية، أقله حالياً، لا بل إن حديثه بالأمس الذي توجه فيه إلى رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، بدا وكأنه يحمل الندية ويتضمن عبارات سياسية ودبلوماسية.
فقد توجه إليه بعبارات مثل «نرجو ونأمل»، ولم يصف «الحشد الشعبي» بأي عبارات غير لائقة، وتحدث عن سورية ما بعد النظام، قائلاً: «كما نجح العراق والسيد محمد شياع السوداني أن ينأى بنفسه عن الحرب بين إيران والمنطقة في الآونة الأخيرة، نشد على يده أيضاً أن ينأى بالعراق من أن يدخل في أتون حرب جديدة مع ما يجري في سورية...».
كما ظهر الجولاني في فيديو آخر ليبارك «فتح» حماة ويقول إنه لن يكون هناك «ثأر» بعد دخول المعارضة إلى المدينة للقيام بما وصفه «تطهير ذاك الجرح الذي استمر في سورية لمدة 40 عاماً»، في إشارة إلى قمع الانتفاضة التي نفذتها جماعة «الإخوان المسلمين» قبل نحو 4 عقود وسحقها النظام بقوة، فيما تقدر منظمات حقوقية أنها أدت إلى مقتل ما بين 10 آلاف إلى 40 ألف شخص.
وأمام الزخم الهائل لهجوم المعارضة، لا يبدو أن النظام يمتلك أوراقاً كثيرة أو قدرة على الصدّ، كما أن من غير الواضح موقف حليفته الكبرى روسيا، التي لم تُظهر مؤشرات على أنها سترمي بثقلها دفاعاً عنه، وتُفضّل عوضاً عن ذلك إحياء مسار المحادثات مع تركيا وخلق مسار مماثل مع إدارة ترامب، للتفاوض نيابة عن النظام وربما بشأن مصيره، مقابل قبض أثمان في أماكن أخرى، ربما تكون أوكرانيا أبرزها.