في ظل محاولات قوات المعارضة مواصلة تقدمها في مناطق السيطرة الحكومية في شمال غربي سورية، لفرض «أمر واقع» جديد، وسعي دمشق لاستعادة مناطق استحوذت عليها «هيئة تحرير الشام» ومجموعات حليفة في هجوم خاطف بدأته الأربعاء الماضي، لتوجه أكبر ضربة للرئيس بشار الأسد منذ سنوات وتشعل من جديد صراعاً بدا مجمداً بعد استقرار الوضع على خطوط الجبهة في الحرب الأهلية، عام 2020، فإن من شأن أي تصعيد طويل المدة، أن يؤدي إلى تفاقم الاضطراب في المنطقة التي تعاني بالفعل من حربين في قطاع غزة ولبنان، وتشهد نزوح ملايين السوريين بالفعل، ودعماً من قوى إقليمية وعالمية للأطراف المتحاربة.

وفي السياق، رأى الأسد، الذي تلقّى دعماً متجدداً من حليفتيه روسيا وإيران، أن الهجوم، وهو الأوسع منذ أعوام، هو محاولة «لإعادة رسم خريطة» المنطقة، بينما اعتبرت تركيا، المتواجدة عسكرياً في شمال سورية والداعمة لفصائل مسلّحة، أن الهجوم ليس «تدخلاً أجنبياً»، وانتقدت غياب الحوار بين الأسد ومعارضيه.

وخلال اتصال مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، قال الأسد «ما يحصل من تصعيد إرهابي يعكس أهدافاً بعيدة في محاولة تقسيم المنطقة وتفتيت دولها وإعادة رسم الخرائط من جديد وفقاً لمصالح وغايات أميركا والغرب».

وشدد على أن «هذا التصعيد لن يزيد سورية وجيشها إلا إصراراً على المزيد من المواجهة للقضاء على أذرع الإرهاب في كامل الأراضي السورية».

من جهته، اعتبر بزشكيان أن «المساس بوحدة سورية هو ضرب للمنطقة واستقرارها ووحدة دولها»، مشيراً إلى أن «الأطماع» الإسرائيلية الأميركية «واضحة في استهداف دول المنطقة وشعوبها، وأن ما يحصل في سورية هو وجه لتلك الأطماع».

وفي السياق، أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، أن وجود المستشارين في سورية «كان قائماً في الماضي وسيستمر في المستقبل»، بحسب ما تطلبه دمشق.

تميم بن حمد

كما ناقش بزشكيان آخر التطورات الإقليمية مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي أعرب عن استعداد بلاده للعب دورها في إعادة الهدوء إلى سورية من خلال التوصل إلى اتفاق سياسي،

وفقاً لبيانات نشرت على الموقع الإلكتروني لمكتب الرئيس الإيراني.

وقال إن الدوحة تشترك مع إيران في مواقف مشتركة بشأن القضايا الإقليمية، خصوصاً تلك المتعلقة بغزة ولبنان، وتلك المتعلقة بضرورة ضمان الحفاظ على وحدة أراضي سورية.

وتابع «إننا على قناعة بأن ما يجري في سورية يؤكد أن ضمان استقرار وأمن الدولة العربية يكون من خلال الحوار والحلول السياسية فقط».

كما تعهّد بزشكيان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي، «بدعم غير مشروط لإجراءات السلطات الشرعية في سورية لاستعادة الانتظام الدستوري والسيادة الإقليمية».

وأفاد بيان للكرملين بأنّهما «أكدا أيضاً أهمية تنسيق الجهود... بمشاركة تركيا» من خلال اتفاق استانا.

فيدان وعراقجي

وفي أنقرة، اعتبر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني عباس عراقجي أن «غياب الحوار بين النظام والمعارضة أوصل المشكلة إلى هذه النقطة»، مضيفاً أن «التطورات الأخيرة تظهر مرة أخرى أنه يتعين على دمشق التوصل إلى تسوية مع شعبها والمعارضة الشرعية».

وتابع الوزير التركي الذي أكد الأحد أن بلاده تدعم الجهود الرامية إلى «خفض التصعيد»، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، «لا نريد أن تزداد حدة الحرب الأهلية، أو أن تُدمر المدن ويُقتل المدنيون، ولا أن يُجبر الناس في سورية على النزوح مرة أخرى والهجرة».

وأعلن فيدان انه سيتم إطلاق مسعى لإعادة إحياء عملية استانا وإن اجتماعاً جديداً في إطار هذه العملية قد يعقد قريباً، مشيراً إلى أن أنقرة تعارض أي تصعيد في سورية أو تدفق للاجئين من المنطقة.

وأكد عراقجي من جانبه، اتفاق طهران وأنقرة حول ضرورة ألا تصبح سورية موطناً «للجماعات الإرهابية».

واتهم «المنظمات الإرهابية» في سورية بأنها تنسق مع إسرائيل وأميركا، وهو ما رفضه نظيره التركي.

ولفت إلى أن الموقف الإيراني تجاه «اتفاق أستانا» متطابق مع تركيا.

وفي أول تعليق على الهجوم، قال الرئيس رجب طيب أردوغان «أمنيتنا الكبرى هي الحفاظ على سلامة الأراضي والوحدة الوطنية في سورية، وأن ينتهي عدم الاستقرار المستمر منذ 13 عاماً بحل يتوافق مع المطالب المشروعة للشعب السوري».

ومن إسطنبول، قال رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة هادي البحرة، إن مقاتلي المعارضة بدأوا الاستعدادات للسيطرة على حلب قبل عام، لكن الخطوة تأخرت بسبب الحرب في غزة، وبدأت الأسبوع الماضي عند التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان.

وأكد أن المعارضة المسلحة لن تتوقف عن القتال لحين التزام الحكومة بعملية الأمم المتحدة والانتقال السياسي.

وبينما أكدت الصين دعمها للنظام في «جهوده للحفاظ على الأمن القومي والاستقرار»، رأت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا التي كانت مواقفها خلال النزاع السوري، مساندة لمعارضي النظام، في بيان مشترك، أن «التصعيد الحالي يؤكد الحاجة الملحة إلى حل سياسي للنزاع بقيادة سوريّة، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الرقم 2254» الصادر عام 2015 والذي أقرّ خطة سلام، من دون أن يترجم بأي شكل يذكر على أرض الواقع.

ميدانياً، أعلن الجيش السوري، الذي يعزز وحداته على محاور الاشتباك، أمس، مقتل أكثر من 400 مسلح، بينهم أجانب بضربات استهدفت مواقعهم في ريفي حلب وإدلب خلال الساعات الماضية.

وأشار إلى أن «القوات المسلحة بدأت بالتحرك على محاور عدة في أرياف حلب وحماة وإدلب للالتفاف على الإرهابيين وطردهم من المناطق التي دخلوها وتأمينها بالكامل وتثبيت نقاط تمركز جديدة للتحضير للهجوم التالي».

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان أدت المعارك والقصف منذ الأربعاء إلى مقتل 457 شخصاً غالبيتهم من المسلحين، إضافة إلى 72 مدنياً.

إخلاء مناطق كردية

من جانبها، بدأت «وحدات حماية الشعب الكردية» بالانسحاب من المناطق الخاضعة لسيطرتها في القطاع الشمالي الشرقي من مدينة حلب بموجب اتفاق مع الفصائل المسلحة.

وذكر مصدران في الفصائل لوكالة «رويترز»، أن الاتفاق على الانسحاب من الشيخ مقصود وبستان الباشا ومناطق أخرى في المدينة، يسمح للمدنيين بالمغادرة إلى مناطق في شمال شرقي سورية تحت سيطرة الأكراد.

وكان القائد العام لـ«قوات سورية الديمقراطية»، مظلوم عبدي، صرح في وقت سابق أمس، بأن «الفصائل المسلحة الموالية لتركيا» قطعت ممراً إنسانياً حاولت «قسد» فتحه بين مناطقها في شمال شرقي سورية وبين حلب ومنطقة تل رفعت والشهباء.

وأفادت مصادر «العربية/الحدث» بمقتل عدد من المدنيين الأكراد خلال محاولتهم الخروج من تل رفعت والشهباء.

مجلس الأمن

وفي نيويورك، يعقد مجلس الأمن اليوم، جلسة طارئة بشأن الوضع في سورية.

وأفادت مصادر دبلوماسية «فرانس برس»، بأن دمشق طلبت عقد الاجتماع، وأن هذا الطلب نقلته الدول الأفريقية الأعضاء في المجلس (الجزائر وسيراليون والموزمبيق) إضافة إلى غويانا.

إقالة جنرال روسي!
قال مدونون عسكريون روس، الأحد، إن موسكو أقالت الجنرال المسؤول عن القوات الروسية في سورية سيرغي كيسيل، ليحل محله الكولونيل جنرال ألكسندر تشايكو.