قبل فترة كان الحديث عن إمكانية السماح لتداول العملات المشفرة من المحرمات بين صانعي السياسة النقدية العالمية، وأن فتح الحديث بينهم لتجديد الرأي يكون محسوماً باتجاه واحد، لافتته العريضة تفيد بـ«التحذير من مخاطرهذه العملات»، ما كان ينبئ وقتها باستحالة توقع تبنّي أسواق كبرى مثل أميركا ودول أوروبية يوماً لهذه العملات، ودعمها تشريعياً واستثمارياً وترويجها.

لكن بعد فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية أخيراً يبدو أن شيئاً ما تغير في السياسات العالمية أو أقله في الطريق للتحول الجذري، حيث ارتفعت العملات المشفرة بمستويات قياسية، مدفوعة بالتوقعات بأن تؤدي سياسات الرجل الذي تحول من مناهض إلى منفتح على هذه العملات قانونياً واستثمارياً إلى إحداث تحول عالمي وتحديداً لدى الدول العصيّة عليها وفي مقدمتها الكويت التي لا تسمح حتى الآن بالتعامل بهذه العملات، حيث لا يوجد أي تعاطف رسمي مع هذه العملات منذ إطلاقها رغم عدم وجود قانون محلي بحظرها.

خليجياً، وضعت بعض حكومات المنطقة أقدامها في عالم العملات الرقمية المشفّرة منذ فترة، بقوانين ولوائح تنظم هذه السوق، وكانت هيئة تنظيم الخدمات المالية في الإمارات أول من وضع القواعد واللوائح المتعلقة بشراء وبيع العملات الرقمية، كما أعطى مصرف الإمارات المركزي الضوء الأخضر لشركة «AED ستابل كوين»، لإصدار عملتها الرقمية الخاصة «AE Coin» بالدرهم الإماراتي، كما أعلن المصرف عن تنفيذ إستراتيجية للعملات الرقمية تحت اسم «الدرهم الرقمي».

من جانبه، أطلق مصرف قطر المركزي، في يونيو الماضي، مشروع العملة الرقمية لتسوية المدفوعات ذات القيمة العالية، مع مجموعة من البنوك المحلية والدولية، وذلك بعد انتهائه من تطوير البنية التحتية للمشروع، كما سيقوم بتجربة وتطوير تطبيقات مختارة للعملة الرقمية، لتسوية المدفوعات ذات القيمة العالية.

وسبقتها البحرين بخطوات لتوسيع جاذبيتها للأصول الافتراضية والعملات الرقمية، كان أهمها منح مصرف البحرين المركزي رخصة تداول الأصول المشفرة إلى منصة «بينانس» في 15 مارس 2022.

بدورها، قطعت السعودية أشواطاً في تقنين هذه السوق، وفي يونيو الماضي انضمت إلى تجربة رئيسية عابرة للحدود للعملات الرقمية للبنوك المركزية يقودها بنك التسويات الدولية، وأعلن المغرب أخيراً أنه يعد مشروع قانون ينظم تداول العملات المشفرة.

مواكبة التغيرات

وفي هذا الخصوص، يرى المعنيون أن التوجه إلى إصدار تشريعات وقوانين لتنظيم تداول العملات المشفرة بات حتمياً، خصوصاً لدى الدول التي تسعى لمواكبة التغيرات العالمية، وأن إقرارها يحتاج إستراتيجية حمائية للمستثمرين خصوصاً الأفراد، محذرين من أن العملات المشفرة لا تخضع لجهة رقابية تنظم عملها، وأن لها مخاطر استثمارية عالية أقلها مرتبط بالتذبذب العالي في أسعارها، فيما اتفقوا على ضرورة أن تكون البداية بأدوات استثمارية ذات مخاطر منخفضة، أولى من العملات المشفرة سبقت إليها العديد من الدول المجاورة، مثل إنشاء سوق ثانوي للسندات والصكوك واعتماد «الأوبشن» والبيع الآجل، وأدوات أخرى سبقتنا لها دول خليجية عدة.

وأوضحوا أن العملات المشفرة تتسم باللامركزية وبصعوبة التحكم بعملياتها، ولا يمكن مراقبة ومتابعة العمليات التي تتم من خلالها، ولا تصنف تلك العملات أُصُولاً معتمدة داخل الكويت، موضحين أنه رغم ذلك إلا أن بعض المستثمرين يلجأون إلى التداول عليها عبر منصات خارج البلاد، وهو أمر يعرّضهم للمخاطر كبيرة.

أُصول غير معتمدة

من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة بنك برقان السابق والرئيس السابق لمجلس إدارة اتحاد المصارف الكويتية ماجد العجيل إن «بنك الكويت المركزي يحظر التداول على العملات المشفرة بسبب أنها غير مدعومة بأصول ولا تتضمن أي ضمانات أو أي دعم حكومي أو مؤسسي».

وأضاف أن «العملات المشفرة لا تتمتع بأي حقوق استهلاك أو استثمار، ما يرفع مخاطر التعامل بها، حيث لا تصنف أُصُولاً معتمدة داخل الكويت، مبيناً أنها لا تخضع لجهة رقابية تنظم عملها، ما يجعل لها عواقب سلبية ومخاطر عالية مرتبطة بالتذبذب العالي في أسعارها».

وأوضح أنه رغم التوقعات المتفائلة بالصعود الكبير الذي ستشهده العملات المشفرة بعد فوز ترامب،إلا أن ذلك لا يعني أن تتجه الكويت في ذات الاتجاه، لاسيما مع المخاطر الكبيرة المرتبطة بها، مشدداً على أن العملات المشفرة تحتاج إستراتيجية واضحة لضمان حماية المستثمرين.

من ناحيته، قال نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة الأوراق المالية علي العوضي إن «الصعود الكبير الذي تشهده العملات المشفرة في الأسواق العالمية بعد فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، أحدث تغيرات في توجهات الاستثمار العالمي نحو هذه العملات، الأمر الذي قد يدفع بعض الدول إلى تعديلات في تشريعاتها لمواكبة ذلك، متوقعاً عدم تأثر الكويت بهذه الموجة».

وأوضح العوضي أن الكويت متأخرة في إصدار قوانين تنظم أدوات استثمارية عدة، رغم تداولها في الأسواق العالمية، والإقليمية منذ سنوات، مبيناً أن الكويت تحتاج إلى اعتماد أدوات أهم من العملات المشفرة مثل «الأوبشن» و«البيع الآجل» وهكذا دواليك.

وأضاف أنه رغم حظر بنك الكويت المركزي، التعامل على العملات المشفرة والأصول الافتراضية، يلجأ المستثمرون إلى التداول عليها عبر منصات خارج البلاد، مؤكداً أن تداول هذه العملات يحتاج إلى مراجعة تشريعية خاصة التي تتعلق بمكافحة غسل الأموال.

وأفاد العوضي بأن مستقبل «العملات المشفرة» ليس مستقراً، وأن هناك أدوات استثمارية ظهرت في الأسواق العالمية سابقاً لكنها لم تستمر، موضحاً أن هذه العملات تحتاج وقتاً حتى يتم السماح بتداولها في الدول التي تتحوط منها.