عشرات من المهتمين قضوا سنوات في حوارات مع مقدمي الخدمة الصحية، حواراتهم كانت من أجل إقناع مقدمي الخدمة الصحية بأمر واحد هو أن المريض هو محور الخدمة الصحية، ومع كل ذلك ما زالت شكوى المرضى قائمة حول الحاجة إلى مزيد من إعطاء الرعاية النفسية والصحية للمرضى.
بعد إلغاء (تأمين عافية) عاد المرضى المتقاعدون إلى حضن وزارة الصحة، هذه الفئة هي أكثر مجموعة تحتاج إلى رعاية واهتمام، قيادات وزارة الصحة أبدت حرصها عليهم، ووضعت أنظمة لراحتهم، وفتحت عيادات خاصة من أجل توفير الراحة لهم، أمرٌ يُشكرون عليه، ولكن يبقى مقدم الخدمة هو عنصر النجاح، يبقى الطبيب والممرض وفني المختبر والأشعة وموظف الاستقبال، يبقى كل هؤلاء بعيدين عن أعين المسؤولين، فلا يستطيع نظام أن يوفّر مراقباً لكل شخص، هؤلاء ضمائرهم فقط هي التي تراقبهم.
حضرتُ ورشة عمل مهمة حول رعاية المرضى وكيفية تزويد الرعاية الشخصية لكل مريض، كانت الأرقام مُزعجة حول مهارات مقدمي الخدمة في رعاية المرضى، فالزملاء الأطباء بعضهم ما زال يمتهن المهنة كعمل وليس كرسالة، نعم الطب ليس مهنة بل هو رسالة، والرسالة لا بد أن تكون في ظرف يحتويها، وظرف رسالة الطب هو استقبال المريض بمودة والاستماع له وتهدئة خاطره قبل الكشف عليه، الإحصائيات في دول قريبة تشير إلى فجوة في هذا المفهوم ولم أجد في الكويت دراسة مُحكمة في هذا الشأن ولكن من تجارب المرضى نعرف أننا بحاجة لهذه الدراسات.
الأطباء هم رأس الخدمة الصحية وعادة الرأس يكون كثير الأذى، وهذا قدرهم، وهناك أيضاً التمريض، التمريض الذي لا يعرف كثيراً منه لغة المريض، وإذا توقف التواصل توقف كل شيء، في زمان المرحوم الدكتور عبدالرحمن العوضي، كان هناك قرار بإدخال كل ممرض وممرضة دورة للغة العربية، ومع موجة إبعاد لغتنا انتهى للأسف هذا التوجه وأصبح لزاماً على المريض في وطنه أن يتكلّم لغة الممرض، وهذه أول صدمة نفسية للمريض.
ورشة العمل التي حضرتها انتهت إلى توصية مهمة بضرورة إدخال كل طبيب وممرض ومساعد صحي لدورة التعامل مع المرضى، وإعطاء المريض الحق أن يُشارك في القرارات الصحية، أي أن اللجان الصحية ومجالس إدارة المستشفيات لا بد أن يمثل فيها مريض، مريض يُعبّر بصوته عن المرضى الذين يحتاجون من يستمع لهم.
إنّ الراحة النفسية للمريض هي بحد ذاتها علاج، فإذا وجدنا مستشفى لا يهتم بغرف الاستشارات النفسية فاعلم أن المرضى هناك لا يهتم بهم أحد، هناك مؤشرات، بعيداً عن الدعاية والمجاملات، مؤشرات تكشف مقدار التزام النظام الصحي بالمريض، وتوفير الراحة والأمان الصحي له، اليوم هناك دراسات واختبارات ومقاييس تستطيع أن تعتمد عليها لجودة الخدمة الصحية وما على وزارة الصحة إلا أن تستفيد من إدارة الجودة وتشرك المريض أيضاً من أجل إنجاح عمليات التقييم وبعدها يأتي التطوير والتحسين.
صوت المريض هو المقياس الحقيقي لجودة الخدمات الصحية ويجب أن يكون صوتاً قريباً حتى يمكن سماعه، وهذا ما نتمناه.