شيلو (الضفة الغربية) - رويترز - بعد التوسع غير المسبوق لنشاط إسرائيل في بناء المستوطنات، يتطلع بعض المدافعين عن بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة إلى دونالد ترامب لتحقيق حلم فرض السيادة على منطقة ينظر إليها فلسطينيون على أنها أساس دولة لهم في المستقبل.
وتتغير ملامح الضفة بسبب التوسع السريع في المستوطنات اليهودية منذ عودة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على رأس ائتلاف قومي يميني متطرف قبل عامين. وخلال ذلك الوقت، تفجرت أعمال عنف المستوطنين ما أدى إلى فرض عقوبات أميركية.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، ظهرت الأعلام الإسرائيلية على قمم تلال يطالب بها بعض المستوطنين في وادي الأردن، ما زاد مخاوف العديد من الفلسطينيين حيال سيطرة أكبر لإسرائيل على تلك المناطق.
وأقام بعض المستوطنين صلوات من أجل فوز ترامب قبل الانتخابات.
وقال يسرائيل ميداد، وهو ناشط وكاتب يؤيد ضم إسرائيل للضفة، متحدثاً لـ «رويترز» عن فوز ترامب من داخل المنزل الذي عاش فيه لأكثر من أربعة عقود في مستوطنة شيلو «لدينا آمال كبيرة. نحن حتى متفائلون إلى حد ما».
واحتفى مستوطنون بترشيح ترامب لمسؤولين معروفين بآرائهم المؤيدة لإسرائيل لمناصب في إدارته، ومن بينهم السفير مايك هاكابي، وهو مسيحي إنجيلي قال إن الضفة ليست تحت الاحتلال وإنه يفضل مصطلح «تجمعات» على «مستوطنات».
وعلى مدى الشهر الماضي، دفع وزراء بالحكومة الإسرائيلية ومدافعون عن المستوطنات ممن لديهم علاقات مع اليمين المسيحي في الولايات المتحدة بشكل متزايد بفكرة «استعادة السيادة» على الضفة في تصريحات عامة.
وقال دينيس روس، وهو مبعوث أميركي سابق للشرق الأوسط في إدارات ديمقراطية وجمهورية، استناداً إلى تقييمه الخاص لاعتبارات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب، إن «رغبة ترامب في توسيع اتفاقيات ابراهيم ستكون على رأس الأولويات».
ومن شأن ضم الضفة القضاء على أي أمل في «حل الدولتين» الذي سيفضي إلى تأسيس دولة فلسطينية مستقلة، وكذلك تعقيد الجهود المبذولة لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عام في قطاع غزة والتي امتدت إلى لبنان.
وخلال ولايته الأولى، نقل ترامب السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس وأنهى موقف واشنطن الراسخ منذ فترة طويلة بأن المستوطنات غير قانونية.
لكن عام 2020، أحبطت خطته لإنشاء جزء من دولة فلسطينية على طول الحدود القائمة جهود نتنياهو من أجل فرض السيادة على المنطقة.
ولم يكشف الرئيس المنتخب عن خططه للمنطقة.
ومع ذلك، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أحد أبرز الوزراء المؤيدين للمستوطنات في الحكومة، قبل أيام، إنه يأمل في أن تتمكن إسرائيل من ضم الضفة في العام المقبل بدعم من إدارة ترامب.
وأعرب يسرائيل غانتس، رئيس مجلس يشع، الذي يجمع تحت مظلته مجالس المستوطنات في الضفة، عن أمله في أن «تسمح» إدارة ترامب للحكومة الإسرائيلية بالمضي قدماً في خطط ضم الضفة.
وقاد غانتس صلاة من أجل فوز ترامب عند انقاض كنيسة بيزنطية قديمة في شيلو قبل انتخابات الخامس من نوفمبر الجاري.
وقال «صلينا من أجل أيام أفضل لشعب الولايات المتحدة ولإسرائيل».
وشيلو منطقة يزورها الكثير من السياسيين الأميركيين، منهم هاكابي وبيت هيغسيث، مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع.
وصرح هاكابي الأسبوع الماضي لـ «أروتز شيفا»، وهو موقع إخباري إسرائيلي مؤيد لحزب حركة الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش، بأن أي قرار في شأن الضم يرجع للحكومة الإسرائيلية.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبويوسف، إن أي إجراء من هذا القبيل من جانب الحكومة الإسرائيلية لن يغير من حقيقة أن هذه أرض فلسطينية.
حصار
تقع شيلو ومستوطنة عيلي المجاورة بالقرب من وسط الضفة، على بعد ساعة من القدس على الطريق السريع 60، وهو طريق سلس يتناقض بشكل حاد مع الطرق المليئة بالحفر التي تربط المدن الفلسطينية في المنطقة.
وقال الناشط الفلسطيني بشار القريوتي من قرية قريوت المجاورة إن توسع مستوطنتي شيلو وعيلي جعل القرى الفلسطينية في وسط الضفة محاصرة.
وتحدث القريوتي عن زيادة في أعداد المستوطنين الذين يمضون في أعمال البناء من دون انتظار صدور الأوراق الرسمية، وهي زيادة أشارت إليها أيضاً منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية الناشطة التي تتابع قضايا الاستيطان.
وصرح القريوتي لـ «رويترز» عبر الهاتف «المستوطنون فعلياً ينفذون خطة الضم على أرض الواقع وبعد السابع من أكتوبر تمت السيطرة على جميع الأراضي ما بين شيلو وعيلي. القرى الفلسطينية وسط الضفة الغربية أصبحت موجودة وسط جزيرة استيطانية».
وتابع «اليوم كل المناطق (سي) وسط الضفة الغربية أصبحت تحت سيطرة المستوطنين».
والضفة الغربية، التي يشير إليها كثيرون في إسرائيل بالاسم التوراتي يهودا والسامرة، هي منطقة على شكل كلية الإنسان يبلغ طولها نحو 100 كيلومتر وعرضها 50 كيلومتراً، كما أنها في قلب الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني منذ استولت عليها إسرائيل عام 1967.
وتعد معظم الدول هذه المنطقة أرضاً محتلة وتعتبر المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو الموقف الذي أيدته محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، في يوليو.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 750 ألف فلسطيني نزحوا من ديارهم عند قيام دولة إسرائيل عام 1948. ويطالب الفلسطينيون بأن تكون الضفة نواة لدولة مستقلة في المستقبل، إلى جانب قطاع غزة المطل على البحر المتوسط في الجنوب.
لكن انتشار المستوطنات، والتي تزايدت بشكل كبير في أنحاء الضفة منذ توقيع اتفاقية أوسلو للسلام قبل 30 عاما، أدى إلى تحول المنطقة.
تأسست شيلو الحديثة في سبعينيات القرن الماضي وهي بلدة مسورة ذات شوارع هادئة ومنازل أنيقة. وتحظى بمكانة خاصة باعتبارها موقع مسكن بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر وظلوا فيه لمدة 300 عام. وبلغ عدد سكانها في 2022 نحو خمسة آلاف.
بالنسبة لمؤيدي المستوطنات اليهودية، فإن الروابط التوراتية هي ما تمنحهم الحق في وجودهم هناك بغض النظر عما قد يحدده القانون الدولي.
وقال ميداد «حتى لو حكمها البيزنطيون والرومان والمماليك والعثمانيون، كانت أرضنا».
وبناء على ذلك، يرفض المدافعون عن المستوطنات مصطلح «الضم»، الذي يقولون إنه يوحي بالاستيلاء على أراض أجنبية.
بلغ معدل بناء المستوطنات في الضفة مستويات غير مسبوقة عام 2023.
ومنذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2023، أدت سلسلة من الطرق الجديدة وأعمال الحفر والتمهيد إلى تغيير واضح في مظهر سفوح التلال في أنحاء المنطقة.
لكن الانتقادات التي وجهتها إدارة الرئيس جو بايدن لم تفلح في وقف الأمر.
في الوقت نفسه، تصاعدت أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة، بما في ذلك حول شيلو، مما أثار تنديدات دولية وعقوبات أميركية وأوروبية أحدثها الأسبوع الماضي على أشخاص يُعتقد أنهم اضطلعوا بدور كبير في هذه الأفعال.
ويقول زعماء المستوطنين، ومن بينهم غانتس، إن العنف ليس له مكان في حراكهم. وتزعم حركة المستوطنين أنهم يوفرون الأمن لبقية إسرائيل بوجودهم في المناطق القريبة من البلدات والمدن الفلسطينية.
«حقيقة لا رجعة فيها»
اتُخذت سلسلة من الخطوات لتعزيز وضع إسرائيل في الضفة منذ تولي حكومة نتنياهو السلطة عبر اتفاق لتشكيل ائتلاف ينص على أن «الشعب اليهودي له حق طبيعي في أرض إسرائيل».
وقال أوهاد طال، رئيس كتلة حزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش في الكنيست «إننا نغير الكثير من الأشياء على الأرض لنجعل وجود إسرائيل في يهودا والسامرة أيضا حقيقة».
وكان يتحدث وبجواره قبعة ترامب الحمراء الشهيرة التي تحمل شعار «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» على أحد الرفوف في مكتبه في الكنيست.
وتابع انه تم وضع آلية كاملة «لتطبيق السيادة بشكل فعال على يهودا والسامرة، لجعل الوجود اليهودي هناك واستمراره حقيقة لا رجعة فيها».
وجرى تسليم العديد من المهام المتعلقة بالمستوطنات والتي كان الجيش يتولاها في السابق إلى إدارة الاستيطان، وهي هيئة مدنية تخضع مباشرة لوزير المالية سموتريتش، الذي يضطلع بدور إضافي في وزارة الدفاع يجعله مسؤولاً عن إدارة الضفة الغربية.
وفي 2024 تم إعلان ما يقرب من ستة آلاف فدان أراضي تابعة لدولة إسرائيل، وهو تصنيف يسهل بناء المستوطنات.
وذكرت منظمة «السلام الآن» بتقرير صدر في أكتوبر، ان هذا يمثل أكبر توسع سنوي مسجل ويعادل نصف إجمالي المناطق التي تم إعلانها أراضي دولة في العقود الثلاثة الماضية.
وتم إنشاء ما لا يقل عن 43 موقعاً استيطانياً جديداً خلال العام الماضي، مقارنة بمتوسط يقل عن سبعة مواقع استيطانية سنوياً منذ عام 1996، وفقاً لتحليل منفصل من «السلام الآن».
وغالباً ما تكون المواقع الاستيطانية تابعة لمستوطنات قائمة على قمم التلال القريبة مما يسمح للموقع الأصلي بالتوسع، وتُزود بطرق جديدة تمتد كيلومترات عديدة وغير ذلك من مرافق البنية التحتية.
وافاد مجلس يشع بأن ما يقرب من 70 من هذه المواقع، التي غالباً ما تقام مخالفة للقانون الإسرائيلي، حصل على دعم حكومي هذا العام.
وقالت زيف شتال المديرة التنفيذية في «ييش دين»، وهي منظمة إسرائيلية أخرى تتابع الاستيطان «إنها فكرة ذكية... إنهم لا يسنون تشريعاً الآن قائلين، إننا نضم الضفة الغربية، بل ينفذون ذلك فحسب».