هل يكون «الخبرُ السيئ» الذي صَعَقَ إسرائيل بأوامر الاعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحقّ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بمثابة «النقطة التي تُطفئ» بصيصَ الأمل بإمكان بلوغ اتفاقٍ لوقْف «حرب لبنان الثالثة»، أم يشكّل قوةَ دَفْعٍ لإتمام التسوية قبل أن تتشابك التعقيداتُ، من الارتداداتِ السياسية وأكثر لـ«زلزال لاهاي»، وليس انتهاءً بالخشية من تشظياتٍ للتصعيد الخطير في الحرب الأوكرانية تطول المنطقة بحال أحرقتْ «الهدايا الوداعية» التي تقدّمها إدارة الرئيس جو بايدن إلى كييف «الجسورَ» التي يمكن لدونالد ترامب مدّها لروسيا لإنهاء نزاعٍ تتمدّد فتائله في أكثر من اتجاه وتالياً «حشْر» فلاديمير بوتين في زاوية خياراتٍ أحلاها مُرّ؟

عيد الاستقلال

سؤالان فَرَضا نفسهما على بيروت التي «حلّ» عليها خجولاً وحزيناً ومضرجاً بالدم والدمار عيدُ الاستقلال في ذكراه الـ81، والتي كانت «تحبس الأنفاسَ» ترَقُّباً لنتائج محادثات الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في تل أبيب ولقائه نتنياهو، قبل أن «يحتلّ الشاشة» حَدَث أوامرِ الاعتقال التي جاء وقْعُها كالصدمة على إسرائيل التي عَكَسَتْ «الموجة الأولى» من تصريحات مسؤوليها، أن ما قبل قرار «الجنائية» لن يكون كما بعده.

ومع تَحَوِّل نتنياهو «مطلوباً للعدالة» بتهم ارتكاب جرائم حرب، وهو ما تبلّغه خلال اجتماعه بهوكشتاين الذي وصل إلى إسرائيل (مساء الأربعاء) آتياً من بيروت، سادَ لبنان ما يشبه «عمى الألوان» حيال كيفية التحسُّب لهذا المعطى البالغ الأهمية الذي يمكن أن «يخلط الأوراق» على أكثر من صعيد، والذي بدا من الصعب التكهّن معه بما إذا كان «قَطَع الحبْلَ» الرفيعَ الذي تتعلّق به مهمة الموفد، أو جَعَل التمسّك بـ «سلّم» النزول عن الشجرة أمراً أكثر إلحاحاً.

وقبيل اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغّر مساء أمس، لبحث مقترح وقف النار على جبهة لبنان وفق المسودة التي حملها هوكشتاين بـ «نسختها اللبنانية»، كانت التقديرات في بيروت كالآتي:

- إما أن أوامر الاعتقال، ستجعل نتنياهو غير قادر على القيام بأي خطوة يَظْهر معها وكأنه تلقى صفعة مدوية قضائياً وسياسياً جراء حرب غزة ومجرياتها، وفي الوقت نفسه «كافأ» حزب الله بوقف النار ما دام الاتفاق لا تتيح له إعلان «انتصار» صريح ولو بالشروط، في ضوء الملاحظات التي كان وضعها الحزب، عبر رئيس البرلمان نبيه بري، ولا سيما لجهة لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق والقرار 1701 وعضويتها وأدوات عملها، كما مسألة حرية الحركة والتصرف لجيشه للتصدي لأي تهديد وشيك أو في طور التشكُّل ما لم تعالجه اللجنة، خصوصاً أن أي تسهيل لاستيلاد التسوية يقتضي «تمويه» هذا «الحق»، سواء بجعْله في «ملحق سرّي» (كتاب ضمانات أميركية) أو الاكتفاء بـ «الضمانة الشفوية» من واشنطن.

- وإما أنّ «الورطةَ» التي وجَدَ نتنياهو نفسه فيها، ستجعله يقتنع بأن الوقتَ لم يعُد يصبّ لمصلحته، بل انه حتى سيلعب ضدّه أكثر، خصوصاً في ضوء الاقتناع بأنه حقّق أقصى ما يمكن في الحرب ضد «حزب الله» وسدد له ضربات بالغة القسوة باغتيال قادته، وسط مؤشراتِ استعادة الحزب توازنه العسكري الواضح ومقارعته إسرائيل في قلب تل أبيب وتحويله الحدود الجنوبية للبنان والمواجهات عليها «كابوساً» لجيشها، رغم توغّلاته في شريط الـ 5 كيلومترات من الناقورة إلى شبعا (بطول نحو 100 كيلومتر) ومحاولته تعميق «اختراقاته».

وفي وقت أشيع في إسرائيل عن إمكان بلوغ «صفقة إنسانية» مع «حماس» تَشمل تبادُل أسرى ووقف نار لمدة 42 يوماً، تساءلت أوساط سياسية، هل يعمد نتنياهو إلى محاولة «ولوج» تَفاهُمٍ مع لبنان من بوابة وقفِ نارٍ لـ 60 يوماً تُستكمل خلالها المفاوضات حول الاتفاق البعيد المدى، فإذا حصل ذلك كان به، وإلا يكون مرّر الوقت في انتظار دخول ترامب البيت الأبيض.

وإذ بدا أن مثل هذا الطرح، الذي تحدّثت عنه بعض التقارير، مشوباً بأن من شأنه أن يتيح للحزب التقاط الأنفاس لنحو شهرين، بحال لم تنته هذه الفترة باتفاقٍ شامل، وهو ما يصعب أن يسوّقه نتنياهو داخل حكومته، كما بصعوبة تَصَوُّر أن يوافق لبنان على «هدنة»، هو الذي أكد في التعديلات على المسودة ضرورة الانسحاب فور «إعلان وقف النار كي يتسنى للجيش اللبناني أن ينتشر في كل المناطق، وكي يسمح للنازحين بالعودة فوراً إلى ديارهم»، فإنّ أوساطاً أخرى لم تَستبعد أن يعمد نتنياهو، مستفيداً من «التفاف» داخلي حوله و«تضامن» أميركي معلن معه، إلى «الهروب إلى الأمام» عبر تطيير مسار الحل مع لبنان وإن من دون دفْعه إلى «الانهيار».

وفي الإطار، تساءلت الأوساط هل يجعل نتنياهو المفاوضات مع لبنان عرضة لجولات من «أخْذ وردّ» ريثما يحين 20 يناير الأميركي وبما يتيح له في انتظار هذا التاريخ تحقيق المزيد من إضعاف قدرات «حزب الله» ميدانياً، ولاسيما السلاح القريب والمتوسط المدى، بما يمكن أن يعوّض عن أي مرونة في الاتفاق لا تَشمل بأي حال منْع إعادة تكوين مخزونه العسكري أو دخول السلاح إليه عبر المعابر، واستطراداً معالجة مجمل وضعيته خارج الشرعية وتقويض نفوذه السياسي.

وبينما اعتُبر كلام مستشار ترامب للأمن القومي مايك والتز، وإعلانه «توقَّعوا رداً قوياً في يناير ضد المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة»، مؤشراً إلى أنّ نتنياهو سيستفيد من «ظهيرٍ» رئيسي بعد أقل من شهرين في مجمل «معاركه» وبينها مع لبنان، وعلى وقع تقارير إسرائيلية عن أن 90 في المئة من اتفاق وقف النار أُنجز وأن الـ 10 في المئة الباقية هي بمثابة «الشياطين في التفاصيل»، كُشفت التعديلات التي يتمسك لبنان بإدخالها على المقترح الأميركي لوقف النار والتي ذكر مسؤول لبناني رفيع المستوى أنها تتمحور حول «ضرورة الانسحاب فور إعلان وقف النار كي يتسنى للجيش اللبناني أن ينتشر في كل المناطق، ولكي يسمح للنازحين بالعودة فوراً إلى ديارهم» في حين «أنّ موقف إسرائيل هو الانسحاب في غضون 60 يوماً من إعلان الهدنة».

وقال المسؤول أيضاً إنّ «مسودة الاتفاق الحالية تشير إلى الانسحاب من (حدود لبنانية) في حين يريد لبنان الإشارة إلى (الحدود اللبنانية) على وجه التحديد لضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من الحدود بالكامل وليس بصورة جزئية»، مؤكداً أن «لبنان يسعى أيضاً إلى إدخال صياغة في الاقتراح من شأنها أن تحافظ على حق الجانبَين(في الدفاع عن النفس)»، من دون الخوض في تفاصيل.

وعن إصرار إسرائيل على امتلاكها الحق في مواصلة الهجوم حتى إذا تم الاتفاق على هدنة، لفت المسؤول إلى أنّه«لا توجد صياغة في مسودة الاتفاق الأميركي بشأن مواصلة إسرائيل شنّ هجمات على حزب الله، وأنّ لبنان يرفض أيّ انتهاك لسيادته».

«تفاوض تحت النار»

وفي حين كانت القناة 12 الإسرائيلية، أوردتْ بعض تفاصيل المسودة وأنها تشمل «منح الجيش مهلة 60 يوماً لاستكمال انسحابه من جنوب لبنان بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ والتزام الطرفين بتنفيذ قراري مجلس الأمن 1559 (نزع سلاح حزب الله) و1701»، حَمَلَ الميدان الذي التهب في شكل غير مسبوقٍ مؤشراتٍ عبّرت عما يُخشى أن يكون أبعد من «تفاوض تحت النار» لبلوغ اتفاق وشيك، في ظلّ تَمَدُّد مرعب للغارات طول النهار، جنوباً وبقاعاً (سقط 38 شخصاً في ساعات) وفي الضاحية الجنوبية التي تعرضت لنحو 15 غارة في أقل من 12 ساعة.

وفي موازاة المواجهات الضارية على الحدود وتركيز الجيش الإسرائيلي عملياته البرية على محاولة اقتحام بلدة الخيام (القطاع الشرقي) بما يعني منْحه «مدخلاً» بالغ الأهمية على البقاع الغربي بالتوازي مع عزْله قضاء مرجعيون عن النبطية (قَطَعَ الطريق بالقصف)، وعلى التوغّل في القطاع الغربي نحو البياضة (على البحر) بما يتيح له محاصرة بلدة الناقورة وعزْلها عن صور، فإن الحزب عمّق استهدافاته، غداة الكشف عن تسبّبه بمقتل عنصر في لواء غولاني وجرْح قائد كتيبة ومقتل باحث في التاريخ أراد دخول القلعة الأثرية في بلدة شمع.

وقد أعلن «حزب الله»، استهداف قاعدة حتسور الجوية للمرة الأولى بصليةٍ من الصواريخ النوعية «وهي جناح جوي رئيسي يحتوي على تشكيل استطلاع مؤهل وأسراب من الطائرات الحربية، كما تبعد عن الحدود 150 كلم، شرق مدينة أشدود»، كما أكد تنفيذ «هجوم جوي بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة حيفا البحريّة، وتضمّ أسطولاً من الزوارق الصاروخيّة والغواصات».

واستهدف الحزب ايضاً موقع الإنذار المُبكر«يسرائيلي»، الذي يُعدّ مركز جمع استخباري رئيسي يتبع لفرقة الجولان 210 على قمّة جبل الشيخ في الجولان المُحتل، إضافة إلى قصفه قاعدة شراغا، وهي المقرّ الإداري لقيادة لواء غولاني، شمال مدينة عكا، مرّتَين، بصليةٍ صاروخيّة.