أثناء الغزو العراقي الغاشم للكويت سنة 1990م؛ خرجت أصوات عديدة في الشارع الأميركي وفي الصحف هناك تُطالب رئيس الولايات المتحدة بعدم خوض حرب تحرير الكويت، وقد تظاهر المئات من الأميركيين أمام البيت الأبيض لهذا الهدف، أحد الصحافيين سأل الرئيس الأميركي آنذاك (جورج بوش الأب): ماذا أنت فاعل بهذه الحشود؟ كان جواب الرئيس الأميركي خير مثال على المقصد من هذا المقال، ردّ الرئيس (بوش) على الصحافي بكلمات واضحة: لو استمعت لهؤلاء فلن تكون الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم.

السياسة هي فن القيادة، وجميع التفاسير لكلمة السياسة تدور حول هذا المفهوم، أما ما نسمعه اليوم من أصوات لأشخاص يُطلق عليهم مجازاً (سياسيون) وأحياناً (خبراء) فهم في غالبيتهم أصحاب رأي، والفرق كبير بين صاحب الرأي وبين صاحب القرار.

الآراء تحمل أهدافاً متعدّدة، منها ما تكون أهدافاً نبيلة وقائمة على تحليل علمي للواقع وهذا قليل للأسف، وأغلبها مرتبط بالأهواء أو المصالح، الشعوب التي تمر في أزمات يزداد فيها عدد أصحاب الرأي المرتبط بالأهواء والمصالح.

اليوم، نحن في زمن أشدّ ضجيجاً من سنة 1990، فقد أصبحت القدرة على امتلاك ميكرفون والصراخ به عبر منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت هذه القدرة متوافرة للجميع، من هنا أصبح كل صاحب رأي يرتدي لباس السياسة؛ ويخوض في شؤون لا تخصّه؛ ويعطي النصائح؛ وأحياناً التحذيرات...

معرفة الفرق بين السياسي وصاحب الرأي أمر إيجابي، فليس المطلوب أن ينفذ المسؤولون ما يحاول فرضه في الإعلام أصحاب الآراء.

إن القليلين الذين يُخلصون في إبداء الرأي دون دوافع وارتباطات خارجية، هؤلاء القلة كثير منهم لا يُفرّقون بين الاستبيان وبين الاستطلاع، ولذا لا يمكن لهم قياس حقيقة ما يريده الناس، فهم في معظمهم يُعبّرون عن آراء شخصية أو أمانٍ، لذا يُنصح أن يستمع السياسي إلى مراكز البحث المُعتمدة والعلمية التي تمدّه بالمعلومة الصحيحة حتى لا يتأثر قادة السياسة بآراء العامة فتضيع البوصلة.

السياسة الناجحة لها رجال قادرون على القيادة، يملكون مواهب خاصة وقدرات مميزة ليس منها الخضوع للآراء أو الخوف من الصائحين بالإعلام، بعض قادة العالم تُربكهم الآراء والضغوط التي يُمارسها الإعلام بكل أدواته، وهي التي تجعل تلك الدول تتراجع وترتعش أقدامها.

الدول الناجحة هي الدول التي يعرف السياسيون فيها حقيقة قدراتهم ويعملون على قيادة دولهم مستعينين بإرادتهم وإرادة الحكماء من شعبهم، هذه هي السياسة الحقيقية.