واشنطن - أ ف ب - تعهّد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية ومنذ فوزه بالبيت الأبيض، اعتماد سياسة «السلام من خلال القوة»، مستعيداً مفهوماً دبلوماسياً قديماً، من غير أن يتضح إن كان ذلك يعبّر عن إستراتيجية حقيقية سيعتمدها، أم مجرد شعار رنان يُطلقه.

وبطرح هذا المفهوم، يستنهض الرئيس المنتخب ذكرى الرئيس رونالد ريغان الذي عمد خلال ولايتيه بين 1981 و1989 إلى زيادة ميزانية الدفاع بشكل كبير، قبل أن يفاوض في أواخر عهده مع الاتحاد السوفياتي الذي اعتمد يومها سياسة إصلاحات عرفت بالبيريسترويكا.

وقبله، تحدث الدبلوماسي هنري كيسنجر، أحد أتباع مفهوم «السياسة الواقعية» (ريالبوليتيك) القاضية باعتماد مقاربة عملية في تحقيق المصالح الوطنية، عن السلام من خلال القوة.

غير أن المفهوم أقدم من ذلك بكثير، ويعود إلى العهد الروماني.

وكتب الخبير العسكري الروماني فيجيتيوس في القرن الرابع قبل الميلاد «من أراد السلام، فليستعد للحرب».

وقبله، عمد الإمبراطور الروماني هادريان إلى بناء أسوار لتحقيق الاستقرار.

ووعد ترامب خلال السباق الرئاسي ببناء «قوات مسلحة قوية» ووضع حد للحروب. ومنذ فوزه في الخامس من نوفمبر، ردّد شعار «السلام من خلال القوة» الذي تبناه أيضا مرشحه لوزارة الخارجية ماركو روبيو.

«نهج براغماتي»

وأثنى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لدى تهنئته ترامب، على إستراتيجية السلام من خلال القوة التي يدعو إليها الرئيس الجمهوري المنتخب، ولكن من منطلق مختلف تماماً.

تعهد ترامب وضع حد سريعاً للحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، وألمح بعض مستشاريه إلى استخدام مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا كوسيلة للضغط على كييف وحملها على القبول بتسوية مع الكرملين.

لكن في خطاب سابق لذلك، أعلن زيلينسكي أن إرغام أوكرانيا على تقديم تنازلات «لن يكون مقبولاً».

ولم يعرض ترامب بصورة واضحة حتى الآن تفسيره الشخصي لهذا المفهوم.

لكن روبرت أوبراين، مستشاره للأمن القومي خلال ولايته الأولى، قال إن ذلك يعني بالمقام الأول مجابهة الصين بصورة مباشرة باعتبارها خصما.

وفي مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» قبل الانتخابات، أكد أوبراين أنه رغم «الصورة المجتزأة» عن ترامب في وسائل الإعلام، فهو «صانع سلام».

واستشهد خصوصاً بحملة ترامب خلال ولايته الأولى من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية في سياق ما عرف باتفاقات أبراهام، واتفاقه مع حركة «طالبان» من أجل سحب القوات الأميركية من أفغانستان.

«الحرب من خلال القوة»

ورأى جورج بيب المحلل السابق في الاستخبارات الأميركية أن الترويج لمفهوم السلام من خلال القوة «يتخطى على الأرجح مجرد شعار» بنظر الإدارة المقبلة.

وقال المسؤول في معهد كوينسي للدراسات الذي يدعو إلى الحد من النزعة العسكرية، «إحساسي العميق هو أنهم جديون في استخدام هذا المفهوم كمبدأ يتبعونه».

لكنه شدّد على ضرورة إيجاد توازن في هذه المقاربة، موضحاً أن ريغان اتبع نهجاً مزدوجاً يقوم على تعزيز القوات المسلحة بموازاة «دبلوماسية ذكية» من أجل تعزيز السلام والاستقرار مع الاتحاد السوفياتي.

وأوضح الخبير «إن مضيتم بعيداً جداً في مد غصن الزيتون، فقد يستغل خصومكم ذلك. لكن في المقابل، إن مضيتم بعيدا جدا في موقف حربي، فقد ينتهي بكم الأمر إلى الحرب من خلال القوة بدل السلام من خلال القوة».

وحذّر جيكوب ستوكس الباحث في المركز من أجل أمن أميركي جديد، بأن فكرة السلام من خلال القوة تكون لها في بعض الأحيان نتائج مختلفة تماما، ما بين التطبيق والنظرية.

وقال في هذا السياق إن قطع المساعدات العسكرية عن أوكرانيا «قد يجعلكم تحققون شق السلام، لكن ليس بالضرورة شق القوة».

وأضاف «أنه شعار سياسي عظيم للرئيس ترامب. وترجمته بصورة فعّالة في سياسة خارجية ستطرح تحدياً هائلاً وصعباً».