تختلف احتياجات الإنسان مع اختلاف الزمان والمكان والحالة الاجتماعية والمستوى الفكري والثقافي والأوضاع الاقتصادية والنفسية، والحاجة هي شعور بنقص في جانبٍ ما يطلب الكمال، وعندما يشعر الإنسان أن لديه نقصاً معيناً، يدرك مدى أهمية حاجته لذلك الأمر، وأولويته على غيره، فإما يسعى لإيجاد حلول، أو يصنع بدائل تتوافق مع حاجته، أو يكتفي بأن يتجرّع مرار الخضوع مع ما لا يتوافق ومبادئه ومعتقداته قائلاً: «ما باليد حيلةٌ»!

رأينا ذلك الأمر مراراً وتكرّرت على مسامعنا تلك الجملة كثيراً مع كل موسمٍ لمعرض الكتاب الدولي، عندما نرتاد الصالات ونرى إقبال القراء على ما لا أدري ما أسميه من شدة هبوط مستوى الطرح والكتابة، وبطبيعة المعروض من السلع أياً كانت، فهناك الممتاز، وهناك الجيد، وهناك الرديء، ولكل «ساقط لاقط»!

وهذا طبيعي جداً فبما أن المنتج ليس بمستوى واحد، فالمستهلك أيضاً ليس كذلك، ولكن ما أراه غير طبيعي أننا نكرّر الشكوى كل عام من ازدياد وجود الهابط من الإصدارات، ونقصٍ في كتابات تتناسب وفكر المراهقين وحاجاتهم واهتماماتهم ومستواهم الثقافي، ثم نجيد صياغة أفكارنا النقدية للواقع ونبذل مجهوداً مضنياً في تحليل الأسباب دون التفكير في السؤال الأهم، وماذا بعد؟!

هذا طبعاً مع وجود الطرح الجيد والممتاز الذي في الغالب لن يذكر أو يتعرض للنقد اللاذع غير البناء.

يقول المفكر العراقي علي الوردي في كتابه الخفيف الظريف المعنون بـ«شخصية الفرد العراقي»: (نجيد نقد المجتمع وكأننا لسنا من المجتمع!)، والعقل العربي اعتاد إجادة النقد كنوعٍ من تحقيق السلام الداخلي، بأنه انتقد وأنه لم يرضَ بالواقع، طبعاً دون إيجاد الحل بشكل واقعي مدروس وذلك أضعف الإيمان.

طالما أننا أدركنا نقصاً لطرح ثقافي يتلاءم ويتوافق مع ضوابطنا الاجتماعية، فبناءً عليه أصبحت لدينا حاجة تزداد مع الأيام، فالسؤال الذي طرحناه يحتم على المحتاج إيجاد الحل أو المحاولة، أو التفكير في كيفية إيجاد حل، وأعتقد أننا بحاجة للنهوض بمشاريع ثقافية ولو فردية، وخطط مدروسة تعوّض النقص المطروح وتوجد الحلول.

فكل صاحب صنعة ثقافية يدرك النقص بصنعته، ويوجد الحل الملائم الذي من خلاله يسد ثغراً فكرياً، خيرٌ ممن يكرّر الكلام في الحاجات فقط، فالشكوى من الألم لن تزيل الألم في النهاية، وصناعة ما يسد حاجتك بنفسك ولو كان ناقصاً مع سعيك في الكمال الذي لن تجده في بشر، خير من الرضا بما لا يوافقك.