بحروف مضيئة، كتب الباحث في التراث الكويتي صالح محمد المذن ( 66 عاماً) السطر الأخير من كتاب حياته المشرق مغادراً دنيانا ومخلفاً وراءه توثيقاً تاريخياً يُشكّل زاداً للأجيال المقبلة.

وجه المذن، الذي بدأ اهتمامه بالتراث الكويتي قبل قرابة خمسة عقود، كوجه الكويت محبٌ ومحبوب، يعكس ملامحها الجميلة بحقبها المختلفة الجامعة بين التراث والمعاصرة.

عُرف عن المذن شغفه بالمعمار الكويتي القديم، وعشقه لتفاصيل البيوت القديمة وأشكال الأبواب والشبابيك التي كانت موجودة في كويت الماضي ومهارته الفائقة في صناعتها.

المذن، الذي أجاد حرفة النجارة، كان ماهراً في تصنيع الأبواب و«الدرايش» وبناء «اللواوين» لأنه كان يخشى أن تندثر هذه المهنة، ولذا حرص على نقلها للأجيال الجديدة وتعليم الراغب منهم أسس بناء البيوت الكويتية القديمة.

أسّس الراحل مؤسسة «تراثيات» التي أنتجت كل ما يتعلق بالبيوت القديمة من كراسي وطاولات مصنوعة من الخشب الأحمر القوي الشهير، فضلاً عن أواني الفخار (برمه) التي استخدمت لتبريد الماء في وقت لم يكن ثمة مبردات كهربائية.

وكما عشق الراحل، الذي نشأ وترعرع في منطقة كيفان، الطراز المعماري وتفاصيله، كان خبيراً أيضاً بالكلمات الكويتية القديمة ودلالتها. كما تبحّر في جمع وتوثيق الأمثال الشعبية التي كانت متداولة في العقود الماضية.

ونعت الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الراحل، ونقلت تعازي وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عبدالرحمن المطيري، لذوي الفقيد ومحبيه. وأشار «الوطني للثقافة» إلى أن الراحل يُعد قامة ثقافية كبيرة، بإسهاماته البارزة في الحركة الثقافية بالكويت، كما كان شغوفاً بالمعمار الكويتي القديم وتفاصيل البيوت القديمة وأشكال الأبواب والشبابيك التي كانت موجودة في كويت الماضي. كما نعت الجمعية الكويتية للتراث، عضو الجمعية العم صالح المذن، الخبير في البيوت والعمارة الكويتية القديمة، والذي قضى 50 عاماً في خدمة تراث الكويت في البحث والدراسة، ونشر العلم، مشيرة إلى أنه نقل إرثاً كبيراً من العمارة الكويتية القديمة بشتى مجالاتها.

«الراي» التي آلمها المصاب، تتقدم بالتعزية لآل المذن الكرام وأهل الكويت، سائلة المولى عز وجل أن يتغمّده بواسع رحمته.

وراثة حب التراث

تعلّم الراحل الكثير من المعلومات والمسميات التراثية من والده محمد المذن وعمه أحمد المذن اللذين رافقهما لرحلات البر والبحر، ودرباه على بناء الحوائط وكيفية قياس طولها وعرضها.

تلميذ نجيب

تحدث الراحل في واحد من لقاءاته الصحافية عن الأساتذة الذين تعلم منهم حب التراث وأدواته وتفاصيل الطراز المعماري الكويتي، قائلاً «تعلمت من الأستاذ المرحوم سليمان العساكر بومحمد، وكذلك من الراحل عبدالرزاق الدعي، أما الخشب والأمور الخاصة بالأبواب فقد تعلّمتها من أهل هذه المهنة من النجارين، وأذكر منهم العبيد يوسف بوعبدالله وهو من جيراننا في كيفان وكان متمكّناً في النجارة».