أكدت نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني، شيخة البحر، أن تطوير منظومة التعليم يعدّ أحد أهم التحديات التي تلقي بظلالها على مستقبل الاقتصاد الكويتي، وذلك من أجل سدّ فجوة المواهب التي يحتاج إليها الاقتصاد الوطني، والذي يتشابك بشكل عميق مع جودة التعليم الذي يقدّم لشبابنا.

وأوضحت البحر في كلمتها خلال قمة «تقنية الأموال» في نسختها الثالثة، والتي نظمتها جريدة الجريدة بالشراكة مع «الوطني» في فندق جراند حياة الكويت أمس، أن النظام التعليمي في الكويت بشكله الحالي لا يتوافق بشكل فعّال مع المتغيرات السريعة في احتياجات القطاع الخاص، لافتة إلى أن مخرجات التعليم تستهدف على مدى عقود وعلى نحو تقليدي التوظيف في القطاع العام، ما يتطلب تغييراً شاملاً يتماشى مع الأهداف الاقتصادية الجديدة التي تسعى إليها بلادنا.

وذكرت أن نظام التعليم في الكويت بشكله الحالي يفتقد التركيز على المجالات التي تتوافق مع المتطلبات الاقتصادية العالمية المعاصرة، مشيرة إلى أن هذا النهج التقليدي في التعليم يحد من تناول مجالات مثل الابتكار وريادة الأعمال ومحو الأمية الرقمية والعلوم والتكنولوجيا، والتي تكتسب أهمية متزايدة في الاقتصاد الحديث.

وشدّدت البحر على أن هناك حاجة ملحة لتدريب المعلمين في مدارس الكويت على تقنيات التعليم الحديثة، ومنها التعلم الرقمي.

الإنفاق على التعليم

وقالت البحر: إنه «على الرغم من أن متوسط ما يتم إنفاقه على التعليم في الكويت يبلغ نحو 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أعلى من المتوسط العالمي الذي يبلغ نحو 4 في المئة في دول متفوقة تعليمياً مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، لكن محصلة هذا الإنفاق أقل من المعدلات المتوقعة»، منوهة إلى أنه غالباً ما يُنظر إلى الجامعات والمؤسسات البحثية في البلاد على أنها متأخرة من حيث الابتكار وجودة التعليم وإنتاج البحوث المتطورة.

وأضافت البحر: «في موازاة ذلك، نحن بحاجة إلى إجراء إصلاحات حقيقية في سوق العمل لتحفيز المواطنين على السعي للعمل في القطاع الخاص»، لافتة إلى أن المنتدى الاقتصادي العالمي يسلّط الضوء باستمرار على الطلب المتزايد في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وأن تلك المجالات ستخلق قرابة 100 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2025.

وأكدت أنه من خلال تكييف المناهج الدراسية في الكويت وفقاً لذلك، يمكن للبلاد وضع قوتها العاملة المستقبلية في طليعة هذه القطاعات الناشئة.

وأفادت البحر بأن عملية تطوير النظام التعليمي يجب أن تشمل تطوير المناهج وأساليب التدريس وإشراك القطاع الخاص، مع وضع أنظمة للتقييم الشامل للمدارس، حتى يلعب كل من هذه المجالات دوراً محورياً في تشكيل القوى العاملة المستقبلية في الكويت، وتزويدها بالمهارات والمعرفة اللازمة لبناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة.

وبينت أن هناك حاجة ماسة أيضاً لتطوير برامج التدريب الداخلي والمهني في مختلف القطاعات، وإشراك القطاع الخاص في التخطيط التعليمي وتطوير المناهج الدراسية، وإنشاء برامج تدريبية مشتركة، بالشكل الذي يضمن قابلية المهارات التي يتم تدريسها في المؤسسات التعليمية للتطبيق بشكل مباشر في مكان العمل.

«Bankee»

وأشارت البحر في هذا المجال إلى مبادرة «الوطني» عبر برنامج «Bankee» الذي يستهدف تعزيز الوعي والثقافة المالية لطلبة المدارس في الكويت، حيث يشهد البرنامج نجاحاً غير مسبوق منذ انطلاقته، ويستفيد منه حالياً نحو 15 ألف طالب.

البحث والتطوير

وشدّدت البحر على ضرورة وجود رؤية لزيادة الإنفاق على البحث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن تكون هناك خطة للارتقاء بتصنيف الكويت في المؤشرات الدولية للبحث والابتكار، وإقامة شراكات مع الجامعات ومراكز الأبحاث الدولية، داعية إلى التركيز على المجالات التي تشكل أهمية بالغة لتنويع الاقتصاد، مثل الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات.

وتابعت: «نحتاج أن يكون تحسين تصنيف الكويت في مؤشرات جودة التعليم بين المؤشرات العالمية هدفاً وطنياً، وأن يشكل تطوير منظومة التعليم أولوية وطنية تتشارك فيها الحكومة والقطاع الخاص في السنوات المقبلة، حيث يمثل تطوير رأس المال البشري عاملاً حيوياً من عوامل التنويع الاقتصادي»، منوهة إلى أن الفائدة الرئيسية لهذا التطوير تكمن في إنتاج قوة عاملة مجهزة بالمهارات اللازمة للقرن الحادي والعشرين، من خلال التركيز على مجالات مثل البرمجة وتحليل البيانات وريادة الأعمال.

العنصر النسائي

وسلّطت البحر الضوء على الحاجة الملحة لمشاركة العنصر النسائي بقوة في مسار التنمية، لافتة إلى أن ذلك يحتاج إلى جهود مخلصة لمعالجة التمثيل الضعيف لها في كل من التعليم الجامعي، والمهن المتعلقة بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).

وأوضحت أن الأرقام تكشف عن عمق هذه الإشكالية، حيث إن نحو 30 في المئة فقط من جميع الطالبات في التعليم العالي يخترن مجالات مرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، كما أن النساء لا يمثلن سوى 29.2 في المئة من إجمالي العاملين في تلك المجالات.

وأكدت البحر أن لتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات دوراً محورياً في تحقيق مستقبل أكثر عدالة اجتماعية مع شمول اقتصادي، حيث تشكل تلك المجالات الأساس لتطوير مهارات التفكير وحل المشكلات اللازمة لتسريع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة.

وأشارت إلى أن «التمثيل الضعيف للنساء في هذه المجالات المهمة يعني أننا نفتقد إلى مجموعة واسعة من المواهب وتنوع الفكر والخبرة التي يمكن أن تؤدي إلى أفكار رائدة، موضحة أن الأبحاث تشير إلى أسباب متعددة لهذه الفجوة، إذ إن الصور النمطية، وضغوط الأقران، والافتقار إلى النماذج النسائية، عوامل قد تؤدي إلى اعتقاد الفتيات بأن العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ليست من اختصاصهن، على الرغم من أدائهن الجيد في هذه المجالات».

وأضافت البحر: «لذلك، أرى أننا يجب أن نعمل على هذا الجانب مبكراً عبر تفنيد الصور النمطية حول المهن المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من خلال التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة. كما أن علينا دوراً في القطاع الخاص من خلال خلق فرص اكتساب الخبرة العملية وبيئة العمل الشاملة للاحتفاظ بالشابات في هذه المهن».

«NBK RISE»

ولفتت إلى أن «الوطني» كانت له مساهمة فاعلة في دعم النساء للقيادة عبر برنامج «NBK RISE»، الذي يستهدف دعم وتعزيز القيادات النسائية لتولي أعلى المناصب، وذلك بمشاركة عدد من مؤسسات القطاع الخاص الكويتي من خلال توقيعها بشكل جماعي على وثيقة التعهد بزيادة تمثيل المرأة في المناصب القيادية، لتأكيد التزام تلك المؤسسات الراسخ بالعمل كيدٍ واحدة لتحقيق أهداف هذا البرنامج العالمي.

وقالت: «أؤكد لكم أننا لن نكل ولن نمل في سعينا الدؤوب نحو المطالبة والمساهمة في تطوير نظامنا التعليمي، انطلاقاً من قناعتنا بأن هذا هو الاستثمار الرابح في مستقبل الكويت، بحيث يمكننا خلق قوة عاملة أكثر مهارة، واقتصاد أكثر قدرة على المنافسة، ومستقبل أكثر ازدهاراً للأجيال القادمة».

أرقام ذات دلالة:

5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي متوسط الإنفاق العام على التعليم مقابل 4 في المئة عالمياً

30 في المئة من طالبات التعليم العالي يخترن مجالات مرتبطة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات

29.2 في المئة من إجمالي العاملين في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات نساء

100 مليون وظيفة جديدة سيخلقها الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بحلول 2025