استوقفتني مقاطع للقاضي الرحيم فرانك كابريو، «لا تفكر بعمق عن العدالة والقانون وما كنت قد درسته مسبقاً في كلية الحقوق وعن التطبيق العملي لهم».
ومما لا شك فيه أن تطبيق قواعد العدالة والانصاف يعتبر مؤشراً مهماً على سمو المجتمع وتطوره، واستقرار العلاقات سواءً كان ذلك داخلياً بين أفراده لوجود مرجع أساسي ينظم علاقات الأفراد في ما بين بعضهم البعض، أو بينهم وبين الدولة، ويمكن الالتجاء إليه في حال الخلافات، أو خارجياً في دائرة العلاقات الدولية. وفكرة العدالة بحد ذاتها تتضمن الحق الذي من دونه بلا شك تهلك المجتمعات، وقد روي أنه كتب بعض عمال عمر بن عبدالعزيز، يشكو إليه من خراب مدينته، ويسأله مالاً يرممها به. فكتب إليه عمر: قد فهمت كتابك، فإذا قرأت كتابي فحصّن مدينتك بالعدل، ونقِ طرقها من الظلم فإنه مرمتها (اصلح)
والسلام.
وقد حثنا الدين الإسلامي على إقامة العدل بين الناس، وفي الحقيقة أن سيادة القانون وقوته تنبع من ذلك الإحساس الذي يستقر في أفئدة الناس بقوة القانون وإلزاميته وعدالته وإنصافه.
الجدير بالذكر، أن قواعد العدالة والانصاف ليست أرقاماً جافة أو نصوصاً جامدة، وإنما هي ذات مضمون إنساني بحت، لا يمكن تطبيقها بتجاهل الحس الإنساني السليم.
وأبرز مثال على ذلك ما للقاضي الجنائي من صلاحية واسعة في تقدير العقوبة وفي تكوين عقيدته. وأن يطرح من الأدلة ما لا يتسق مع ظروف الواقعة وملابساتها.
وبالنظر إلى ما نصت عليه المادة 83 من قانون 16 لسنة الـ1960، يجوز للمحكمة إذا رأت أن المتهم جدير بالرأفة، بالنظر إلى الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة، أو بالنظر إلى ماضيه أو أخلاقه أو سنه، أن تستبدل بعقوبة الإعدام عقوبة الحبس المؤبد أو الحبس الموقت الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات، وأن تستبدل بعقوبة الحبس المؤبد عقوبة الحبس الموقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات.
وبالتالي، فإن القاعدة القانونية تتأثر بالعوامل الشخصية والموضوعية والاجتماعية في تطبيقها. وتكون وظيفة القاضي الجنائي المواءمة بين النصوص القانونية والقضية المعروضة عليه، وعند حديثنا عن القانون لا يمكن إغفال الحديث عن روح القانون من أجل الوصول للغاية الأمثل وهي تحقيق العدالة والانصاف، وهنا نتجاوز التنفيذ الشكلي للقانون للوصول إلى جوهره.
فقد تدفعنا الضرورة أو نتلمس الحاجة لاضفاء المرونة على تفسير النصوص الجامدة بدلاً من الالتزام بحرفيتها، وفي النهاية تظل روح القانون هي التعويذة السحرية للعدالة.
وفي النهاية تحضرني مقولة للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «لا تمجد الإجراءات، ولا تقدس القوانين ولا تعتقد أن الأنظمة أهم من البشر».