أصبحنا نعاني من إشكالية المظاهر، والنظرة المادية أصبحت طاغية بدرجة كبيرة خاصة مع زيادة برامج التواصل الاجتماعي وحث الناس على الصرف من قبل مشاهير السوشال ميديا، وأصبح مقياس النجاح هو ما في جيبك من مال ومعرفة الناس الذين حققوا الثراء الفاحش، والحديث الدائم عن كيف تجني المال وأن يكون لديك مشروع خاص دون النظر للعواقب أو التفكير بالمخاطر، وأصبحت الوظيفة الحكومية ينظر لها نظرة غير جيدة لدى هؤلاء الشباب... فأصبحت المادة هي الأولوية مع تناسي بقية الأمور المهمة في الحياة.

وتكمن المشكلة في تناسي التوازن بالحياة في جوانبها المختلفة بين العقل والجسم والروح والعاطفة، وإهمال الحياة الداخلية للإنسان، وهناك يكمن الجوهر، وتستغرب حين تجد العديد من الذين حققوا الإنجازات بأنهم يفتقدون السعادة، ويشعرون بأن هناك نواقص كثيرة في حياتهم، والسعي المستمر في الحصول على أمور مادية فارهة لا يملكها آخرون، والسبب هو عدم التوازن في الحياة.

إذاً، فالتوازن في حياة الإنسان يعتبر من المفاهيم الأساسية التي تساعده على أن يعيش حياته وهو مرتاح البال، لذلك فإن التوازن في ما يتعلق بالجسم والصحة والحياة الشخصية أمر في غاية الأهمية في عالم اليوم؛ حيث هناك العديد من التحديات التي تواجه الإنسان في هذا العصر، وينبغي ألّا تكون على حساب العناصر الأخرى مثل العائلة.

ويجب ألّا ننسى العواطف وأهميتها في الاستقرار النفسي والعاطفي، فمن دون القدرة على إدارة المشاعر وضبط الانفعالات ستكون هناك ضغوط كثيرة على الإنسان قد تسبب له الكثير من الأمراض وتجعل البال مشتتاً على الدوام.

وكيف يرتاح إنسان أهمل الجانب الروحي في يومه، فالتواصل الروحي يؤدي إلى إيجاد المعنى العميق للحياة، ويمكن أن يكون له تأثير كبير على السلام الداخلي، مثل المحافظة على الصلوات والأوراد اليومية من القرآن الكريم والأذكار.

وحتى نحقق التوازن في الحياة فمن المهم تحديد الأولويات، حيث يساعد تحديد الأولويات على تخصيص الوقت لكل جانب من جوانب الحياة، بحيث لا يطغى جانب على آخر. وكذلك التخطيط والتنظيم ووضع جدول زمني وتنظيم المهام يسهم في إدارة الوقت بشكل أكثر كفاءة من العشوائية. ولاننسى الاعتناء بالصحة النفسية والجسدية، من خلال ممارسة الرياضة، والحصول على قسط كافٍ من الراحة. أمر مهم التواصل مع الآخرين، والحرص على بناء علاقات قوية مع الأهل والأصدقاء والحديث مهم عن الأمور التي تشغل بالك.

ويقول قس بن ساعدة، في الخطبة المشهورة في سوق عكاظ والتي لاتزال حتى اليوم مثالاً في الفصاحة والبلاغة والبيان والحكمة وألّا ينسى الإنسان أن الحياة فانية حيث قال: «أيها الناس، اسمعوا وعوا، فإذا وعيتم فانتفعوا، إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لن تغور، ليل داج، وسماء ذات أبراج، أقسم قس قسماً حقاً، لئن كان في الأرض رضاً ليكونن سخطاً، وإن لله دِيناً هو أحب إليه من دِينكم. ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون، أرَضوا فأقاموا، أم تُرِكوا فناموا، تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية، يا معشر إياد، يا معشر إياد: أين الآباء والأجداد، وأين الفراعنة الشداد؟ ألم يكونوا أكثر منكم مالاً وأطول منكم آجالاً، طحنهم الدهر بكلكله ومزَّقهم بتطاوله».