فيما يحبس العالم أنفاسه بانتظار من يمسك بمفاتيح البيت الأبيض، الفيل الأحمر الجمهوري أم الحمار الأزرق الديمقراطي، وصلت المنافسة الرئاسية الأميركية إلى طريق شبه مسدود، سواء على المستوى الوطني أو في الولايات المتأرجحة، خصوصاً بنسلفانيا التي ستكون بمثابة «بوليصة تأمين»، حيث استطلاعات الرأي في الولايات السبع متقاربة للغاية، ضمن هامش الخطأ، لدرجة أن أياً من المرشح الجمهوري دونالد ترامب أو المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، قد يفوز بفارق ضئيل جداً... لكن من دون استبعاد وقوع مفاجأة كبرى.

وتشهد انتخابات اختيار الرئيس الـ 47 لـ «العم سام»، منافسة محتدمة بين شخصيتين متعارضتين على كل المستويات، تفصل بينهما نحو 20 عاماً من العمر.

فمن الجانب الديمقراطي، هناك نائبة الرئيس هاريس (60 عاماً)، التي قد تصبح أول امرأة تتربع على عرش أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم.

في المقابل، هناك ترامب (78 عاماً) الذي قلب الطاولة وخاض السباق مجدداً بعدما خرج من البيت الأبيض عام 2021 في ختام ولاية غرقت نهايتها في فوضى عارمة ونجا خلالها من آليتي إقالة في الكونغرس وصدر بحقه بعدها حكم قضائي.

وإلى التقلبات والتطورات المفاجئة التي شهدتها الحملة، وفي مقدمها تعرّض ترامب لمحاولتي اغتيال، تميّز السباق بكل أنواع المزايدات في بلد يشهد شرخاً عميقاً.

7 ولايات حاسمة

وإن كان كل من المرشحين يبدي ثقته في النصر، فالواقع أن المنافسة شديدة ونوايا الأصوات متقاربة إلى حد أن بضع عشرات آلاف الأصوات قد تكفي لحسم نتيجة الانتخابات.

ويتركز فارق الأصوات في سبع ولايات أساسية يجوبها المرشحان بلا توقف منذ أشهر وينفقان فيها مئات ملايين الدولارات، وهي ويسكونسن وجورجيا وأريزونا ونيفادا ونورث كارولينا وميتشيغن، إضافة إلى بنسلفانيا، «الجائزة الكبرى» بين هذه الولايات والتي تقدم أكبر عدد من كبار الناخبين (19 صوتاً).

وبالتالي، فإن المعركة بينهما محصورة نسبياً بـ93 صوتاً.

فالولايات المتحدة تعتمد نظام اقتراع عام غير مباشر يتوج المرشح الذي يتخطى عتبة 271 من أصوات كبار الناخبين، أي غالبية المجمع الناخب الذي يضم 538 من كبار الناخبين.

ومن المنطقي بالتالي أن تلقي هاريس وترامب بقواهما الأخيرة، أمس، في هذه الولاية، في ختام حملة شديدة التوتر تبعث الكثير من المخاوف والقلق.

وصوت نحو 80 مليون أميركي، بينهم هاريس نفسها بشكل مبكر، من أصل 244 مليون ناخب.

ولا يقتصر الترقب على الانتخابات نفسها، بل تطرح تساؤلات قلقة كذلك حول ما سيأتي بعدها، إذ باشر ترامب منذ الآن التشكيك في نزاهة الاقتراع، وهو الذي لم يعترف حتى الآن بهزيمته في انتخابات 2020 وشحن أنصاره الذين اقتحموا مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021 لمنع الكونغرس من المصادقة على فوز جو بايدن.

وباشر المعسكران منذ الآن تقديم عشرات الطعون والشكاوى إلى القضاء، فيما يخشى ثلث الأميركيين أعمال عنف بعد الخامس من نوفمبر.

وفي السياق، قال ترامب في اتصال هاتفي مع شبكة «أي بي سي»، أمس، إنه متقدم بفارق كبير.

كما توقع أن يُعلن اسم الفائز بحلول ليل الثلاثاء - الأربعاء.

لكن حين سئل عما إذا كان يعتقد أن هناك أي طريقة يمكن أن يخسر فيها، رد «أعتقد أنه يمكن أن أخسر... أعني أن هذا قد يحدث، أليس كذلك»؟

وكان شدد أمام حشد من ناخبيه، على أنه «لا يستطيع أن يتخيل خسارته إلا إذا كانت انتخابات فاسدة».

وأضاف ترامب خلال تجمع في ليتيتس - بنسلفانيا: «كان لدينا أكثر الحدود أماناً في تاريخ بلدنا عندما غادرتُ (البيت الأبيض)... كان يجب ألا أغادر».

وإذا صحّت توقعاته، التي لا تتفق مع غالبية الاستطلاعات، سيعود ترامب إلى الرئاسة محمولاً على «موجة حمراء»، ليكون بذلك ثاني رئيسٍ يعود إلى البيت الأبيض مرّتيْن غير متتاليتين بعد الديمقراطي روفر كليفلاند (فاز بالرئاسة في 1885، ثم هُزم عام 1889، ليفوز مجدداً في 1893)،

ويمنح موقع «بوليماركيت» الرائد للمراهنات، الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة، اثنتين من الفرص الثلاث لهزيمة هاريس. كما تعتبر «أسواق التنبؤ» أن الجمهوري هو المرشح المفضل.

ويرى موقع «ريل كلير بوليتيكس» أن ترامب أصبح «أول مرشح جمهوري يحتفظ بالصدارة» في استطلاعات وطنية منذ عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن عام 2004.

ولاحظ خبير استطلاعات لدى شبكة «سي إن إن» أن ترامب يمكنه أن يصبح أول مرشح جمهوري يفوز بالتصويت الشعبي منذ عقدين.

ولا يعني ذلك أن طريق النصر مغلقة أمام هاريس التي يمكنها أن تحقق مفاجآت في ساحات المعركة، أو الولايات السبع المتأرجحة، التي ينبغي تقسيمها إلى مجموعتين، بناءً على عوامل مختلفة؛ منها الجغرافيا والثقافة وتاريخ التصويت على سبيل المثال لا الحصر.

التعادل التام
ماذا لو فشلت كامالا هاريس ودونالد ترامب في تحقيق الغالبية الضرورية من أصوات الناخبين الكبار للوصول إلى البيت الأبيض؟ هذه الفرضية التي من شأنها إثارة معضلة معقدة ومفاقمة قلق الأميركيين، ممكنة نظرياً. وبموجب الدستور يعود للكونغرس في هذه الحالة، اختيار الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة.
وبالتحديد مجلس النواب المنتخب بنتيجة الاقتراع أيضاً، فيما يتولى مجلس الشيوخ تعيين نائب الرئيس.
هذه الفرضية النادرة الحدوث، ستحصل في حال تعادل المرشحين في عدد الناخبين الكبار أي 269 لكل منهما.
وثمة سيناريوهات تصويت عدة تفضي إلى هذا التعادل المطلق بين المرشحين في عدد أعضاء المجمع الانتخابي الذي يضم 538 عضواً ستكون مهمتهم اختيار الرئيس الـ 47. فعلى سبيل المثال قد يحصل ذلك، في حال فازت هاريس في ولايات ويسكونسن وميتشغن وبنسيلفانيا، وفاز ترامب في أريزونا ونيفادا وكارولينا الشمالية ونبراسكا.
وتعود المرة الأخيرة التي سجل فيها تعادل في عدد الناخبين الكبار إلى العام 1800.
ودفع هذا الوضع المعقد إلى إقرار التعديل الثاني عشر في دستور الولايات المتحدة في العام 1804 الذي استكمل المادة الثانية فيه التي تفصل الإجراءات التي ينبغي اتباعها في حال عدم حصول أي من المرشحين على غالبية أصوات في المجمع الانتخابي.
ويتوقع أن تؤدي فرضية كهذه إلى إشعال البلاد المتوترة أصلاً، إذ إن ملايين المواطنين مقتنعون أن الاقتراع الذي يشهد منافسة محمومة يشهد من الآن تجاوزات.