كان لديّ حب وهوس لقراءة كتب القيادة والإدارة، فقرأت العديد من الكتب والسير الذاتية التي كان لها تأثير كبير في التغيير، خاصة في القيادة التحويلية وهي من أصعب أنواع القيادة والذين استطاعوا أن ينقلوا الشركات من محلات صغيرة إلى شركات عملاقة مثل جاك ويلش، الرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك، أو لي كوان يو، مؤسس سنغافورة الحديثة والذي جعلها في مصاف دول العالم.

أما جاك ويلش، فيعتبر أسطورة في إدارة الأعمال في العصر الحديث، وشغل منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك الأميركية، وخلال مسيرته في إدارة الشركة خلال 20 عاماً ارتفعت قيمتها السوقية من 12 مليار دولار إلى أكثر من 400 مليار دولار، وصفته مجلة Fortune بأنه «مدير القرن». وارتفع سعر سهم «جنرال الكتريك» خلال فترته، 4000 في المئة، وكان تركيزه على الأشخاص المتميزين من دون مجاملة.

وكان عدوه الأول «البيروقراطية»، لذلك استطاع النأي بالشركة طوال 20 سنة عن كل المشاكل وسنوات الكساد والحروب، وقسم الموظفين إلى 3 أقسام 20/‏ 70/‏ 10، قسم الـ20 في المئة: هم باختصار أفضل 20 في المئة من موظفيك، يتم تدليلهم بالمحفزات والرواتب ولهم النصيب الأكبر من الاهتمام، لأنهم يستحقون بناءً على أدائهم. والقسم الثاني الـ70 في المئة: هم الموظفون الذين يقعون في المنتصف. ليسوا سيئين ولا رائعين كذلك، محفزات بسيطة كافية على إبقائهم، والتركيز على تدريبهم ليكونوا ضمن الـ20 في المئة. والقسم الثالث والأخير هم الـ10 في المئة: هم الجزء السفلي في سلم الأداء في الشركة. يتم الاستغناء عنهم جميعاً وإفساح المجال للجدد في نهاية كل عام.

ويقول ويلش: «إذا لم تستطع أن تغيّر الناس فغيّر الأشخاص، وإذا اخترت الأشخاص المناسبين وأعطيتهم الفرصة لفرش أجنحتهم ومكافآت مناسبة فلن تحتاج لإدارتهم».

وهناك مثال ثانٍ وهو لي كوان يو، أول رئيس للوزراء في سنغافورة بعد استقلالها وحصولها على الحكم الذاتي من بريطانيا في عام 1959، وسالت دموعه مباشرة بعد الانفصال من ماليزيا وأمام المشاهدين ولم يخجل من ذلك.

وتمكن لي كوان يو، ذو الأصول الصينية من تحويل سنغافورة تلك الجزيرة المليئة بالمستنقعات، والتي لا يوجد بها موارد طبيعية تذكر، وتعتبر البلد الأصغر في جنوب شرقي آسيا، وبالكاد حصلت على استقلالها سنة 1965، إلى جزيرة حضارية بكل ما من معنى للكلمة، حيث ما أن تسلم كوان زمام الأمور بعد هذا التاريخ ليجد المشاكل التي لا تعد ولا تحصى كالبطالة والفساد الإداري وأزمة السكن...، إضافة إلى شعب خليط من مختلف الأعراق والأجناس من الصين والهند، واستطاع منذ هذا التاريخ أن يحولها إلى أغنى خامس دولة في العالم من حيث احتياطي العملة الصعبة، وأكثر البلدان استقراراً سياسياً في آسيا وفق تقرير التنافسية العالمي... كيف استطاعت هذه الجزيرة الصغيرة أن تعيد هيكلة نفسها في 40 سنة فقط لا غير، وفي جيل واحد فقط، إنها الإدارة والإرادة الحصيفة والحكيمة والتي قامت على بناء الثقة.

والتجارب والأمثلة كثيرة في القيادة التحويلية، لذلك لابد من معرفتها ودراستها وإنشاء معهد خاص للقيادة التحويلية وتدريب الشباب واطلاعهم على التجارب سواءً للشركات أو الدول على حد سواء، لأن هذه التجارب تختصر الكثير من الأوقات، خاصة ونحن نمر في ظروف إقليمية صعبة تتطلب إدارة قادرة على الاستفادة مما يحصل حولها.

نعيش في عالم يتغيّر بصورة لم يتخيلها العقل البشري.

والسرعة في هذا التغيير لم تتعود عليها المجتمعات الشرقية، وستحل التكنولوجيا مكان العديد من البشر في وظائف كثيرة... هناك وظائف ستختفي ووظائف أخرى ستظهر.

لماذا يجب أن نستثمر بالمعرفة والبشر؟

لأن الاعتماد على مصدر واحد وهو النفط فيه خطورة لأن الأسعار متذبذبة، خصوصاً أنها سجلت انخفاضاً تجاوز 4 بالمئة بعد تراجع حدة التوقعات في أعقاب الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران. والتاريخ خير شاهد على ذلك.