ابتُلينا بهذا العصر بمرض مواقع التواصل الاجتماعي، هذا البلاء الذي يترك العاقل حيرانَ، وبعد الصدمة الأولى التي استمرت سنوات، بدأ العالم يصحو على قوة تأثير تلك المنصات، وأصبحت الدول العظمى التي يسكنها مئات الملايين تتخذ الإجراءات المتشددة حيال مواقع تخشى على شعوبها منها، وما حدث بين الولايات المتحدة والصين بعدما تبنّى مجلس النواب الأميركي مشروع قرار يُطالب «تيك توك» بقطع علاقاتها مع الشركة الصينية المالكة، ما حدث يعكس مقدار تأثير تلك المنصّات.
لقد تجاوز مستخدمو «تيك توك» عام 2024 أكثر من 1.5 مليار مستخدم شهرياً، وزادت الإيرادات بنسبة 23.1 % مقارنة بالعام السابق، وقد كشف تقرير نيوريتش لعام 2023 عن أرباح المُبدعين، وهم الأفراد الذين ينجحون بكسب متابعين بأعداد كبيرة تصل إلى عشرة آلاف متابع على الأقل مع ما لا يقل عن 100 ألف مشاهدة حقيقية لفيديو، وأن يكون لديك حساب شخصي أو احترافي، كشف ذلك التقرير عن مبالغ هائلة تنتظر من ينشر فيديوهات على منصتها.
وهنا تأتي المصيبة لا سيما في دول العالم الفقير حيث أصاب الناس لوثة من هذه المنصات التي تدفع أموالاً من أجل أن تنشر محتوى يكسب المتابعين، وفي عالمنا الشرقي أي المحتويات أفضل من الفضائح واستغلال المشاهد الجريئة.
إننا نعيش اليوم عالماً تُهيمن عليه مقاطع الفيديو القصيرة التي هي اليوم المدرسة والمعلم لأبنائنا، ومع الأرباح التي تصاحب تلك الفيديوهات فإن المحتوى التربوي هو آخر همّها، ومع فشل الوالدين في الغالب، كما نرى اليوم، فشلهم في منع أولادهم عن تلك المنصات الخطيرة فلا بد أن تتدخل الدولة كما فعل مجلس النواب الأميركي، تتدخل باستخدام التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي لترشيد تلك المنصات ومنع ذلك السيل من الفيديوهات الذي سيترك أجيالنا تحت رحمة الراغبين في الكسب السريع.
حان الوقت ليس فقط لمحاسبة أصحاب القضايا السياسية بل وربما الأهم هو ترصُّد تلك المحتويات وإيجاد طريقة لمنعها، فذلك السيل العارم من الأشرطة التي نراها اليوم هي التي ستنجح فيما لم ينجح فيه أعداء أمتنا، ستنجح في إفساد القيم وهدم الأخلاق.